الأصنام فهم يقولون : الأصنام شركاء لله في العبودية والتكوين.
ومنها من يقول : مدبر هذا العالم هو الكواكب ، وهؤلاء فريقان منهم من يقول :إنها واجبة الوجود لذواتها ، ومنهم من يقول : إنها ممكنة الوجود لذواتها محدثة ، خالقها هو الله تبارك وتعالى ، إلا أنه تبارك وتعالى فوّض تدبير هذا العالم الأسفل إليها ، وهؤلاء هم الذين ناظرهم الخليل عليهالسلام بقوله: (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) [الأنعام : ٧٦].
ومنها الذين قالوا : للعالم إلهان : أحدهما : يفعل الخير خالق النور والناس والدّوابّ والأنعام والثاني : يفعل الشّر ، [وهو إبليس](١) خالق الظلمة ، والسّباع والحيّات والعقارب ، وهم مذكورون هاهنا.
قال ابن عباس رضي الله عنهما والكلبي : نزلت هذه الآية في الزّنادقة أثبتوا الشرك لإبليس [في الخلق](٢).
قال ابن عباس رضي الله عنهما : والّذي يقوي هذا قوله تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً)(٣) [الصافات : ١٥٨] فإنما وصف بكونه من الجنّ ؛ لأن لفظ الجنّ مشتق من الاستتار ، والملائكة الروحانيون لا يرون بالعيون ، فصارت كأنها مستترة عن العيون ، فلهذا أطلق لفظ الجن عليها.
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله ـ (٤) : هو مذهب المجوس ، وإنما قال ابن عباس رضي الله عنهما : هذا قول الزّنادقة ؛ لأن المجوس يلقبون بالزنادقة (٥) ؛ لأن الكتاب الذي زعم زرادشت أنه نزّل عليه من عند الله تبارك وتعالى مسمى بالزند ، والمنسوب إليه يسمى زندي ، ثم أعرب فقيل : زنديق ، ثم جمع فقيل : الزنادقة.
واعلم أن المجوس قالوا في كل ما في هذا العالم من الخيرات فهو من يزدان ، وجميع ما فيه من الشر فهو من اهرمن وهو المسمى ب «إبليس» في شرعنا ، ثم اختلفوا فقال أكثرهم : هو محدث ، ولهم في كيفية حدوثه أقوال عجيبة (٦).
وقال بعضهم : إنه قديم أزليّ ، واتفقوا أنه شريك لله ـ تعالى ـ في تدبير هذا العالم ، فخيره من الله تبارك وتعالى ، وشرّه من إبليس لعنه الله ، فهذا شرح قول ابن عباس رضي الله عنهما (٧).
فإن قيل : القوم أثبتوا لله شريكا واحدا ، وهو إبليس ، فكيف حكى الله تعالى عنهم أنهم أثبتوا لله شركاء.
فالجواب : أنهم يقولون : عسكر الله هم الملائكة ، وعسكر إبليس هم الشياطين ،
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ٣٤) عن الكلبي وذكره الرازي في تفسيره» (١٣ / ٩٢) عن ابن عباس.
(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ٩٢).
(٥) ينظر : الفخر الرازي (١٣ / ٩٢).
(٦) ينظر : الرازي (١٣ / ٩٢).
(٧) ينظر : الرازي ١٣ / ٩٣.