والملائكة فيهم كثرة عظيمة ، وهم أرواح طاهرة مقدّسة يلهمون الأرواح البشرية للخيرات والطاعات ، والشياطين فيهم أيضا كثرة عظيمة تلقي الوساوس الخبيثة إلى الأرواح البشريّة ، والله تبارك وتعالى مع عسكرة من الملائكة يحاربون إبليس مع عسكره من الشياطين ، فلهذا حكى الله تبارك وتعالى عنهم أنهم أثبتوا لله شركاء الجنّ (١).
قوله : (شُرَكاءَ الْجِنَّ) الجمهور (٢) على نصب «الجنّ» وفيه خمسة أوجه :
أحدها : وهو الظاهر أن الجنّ هو المفعول الأوّل.
والثاني : هو «شركاء» قدم ، و «لله» متعلّق ب «شركاء» ، والجعل هنا بمعنى التّصيير ، وفائدة التقديم كما قال الزمخشري (٣) استعظام أن يتخذ لله شريك من كان ملكا أو جنيا أو إنسيّا ، ولذلك قدم اسم الله ـ تبارك وتعالى ـ على الشّركاء انتهى. ومعنى كونهم جعلوا الجنّ شركاء لله هو أنهم يعتقدون أنّهم يخلقون من المضارّ والحيّات والسباع ، [كما جاء في التفسير](٤).
وقيل : ثمّ طائفة من الملائكة يسمّون الجن كان بعض العرب يعبدها.
الثاني : أن يكون «شركاء» مفعولا أوّل ، و «لله» متعلّق بمحذوف على أنه المفعول الثاني ، و «الجن» بدل من «شركاء» أجاز ذلك الزمخشري (٥) ، وابن عطية (٦) ، والحوفي ، وأبو البقاء (٧) ، ومكي بن أبي (٨) طالب إلا أن مكيّا لما ذكر هذا الوجه جعل اللام من «لله» متعلّقة ب «جعل» فإنه قال : الجنّ مفعول أوّل ل «جعل» و «شركاء» مفعول ثان مقدم ، واللام في «لله» متعلّقة ب «شركاء» وإن شئت جعلت «شركاء» مفعولا أوّل ، و «الجن» بدلا من «شركاء» ، و «لله» في موضع المفعول الثاني ، واللام متعلقة ب «جعل».
قال شهاب الدين (٩) : بعد أن جعل «لله» مفعولا ثانيا كيف يتصوّر أن يجعل اللام متعلقة بالجعل؟ هذا ما لا يجوز لأنه لما صار مفعولا ثانيا تعيّن تعلّقه بمحذوف على ما عرفته غير مرّة.
قال أبو حيّان (١٠) : «وما أجازوه ـ يعني الزمخشري ومن معه ـ لا يجوز ؛ لأنه يصح للبدل أن يحل محلّ المبدل منه ، فيكون الكلام منتظما لو قلت : وجعلوا لله الجنّ لم يصح ، وشرط البدل أن يكون على نيّة تكرار العامل على أشهر القولين ، أو معمولا للعامل في المبدل منه على قول ، وهذا لا يصحّ هنا ألبتة لما ذكرنا».
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٤٥ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٦ ، الكشاف ٢ / ٥٢.
(٣) الكشاف ٢ / ٥٢.
(٤) سقط في ب.
(٥) ينظر : الزمخشري ٢ / ٥٢.
(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٢٩.
(٧) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٥.
(٨) ينظر : المشكل ١ / ٢٨٢.
(٩) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٤٤.
(١٠) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٩٦.