حادث ، يقال : إن أوّل من أحدثه يحيى بن يعمر ، فكيف ينسب ذلك لمصحف عبد الله بن مسعود؟
وفي هذه القراءة تأويلان :
أحدهما : أن يكون «خلقهم» مصدرا بمعنى اختلاقهم.
قال الزمخشري (١) : أي اختلاقهم للإفك ، يعني : وجعلوا لله خلقهم حيث نسبوا قبائحهم إلى الله في قولهم : (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) انتهى.
فيكون «لله» هو المفعول الثاني قدّم على الأول.
والتأويل الثاني : أن يكون «خلقهم» مصدرا بمعنى مخلوقهم ، فيكون عطفا على «الجنّ» ، ومفعوله الثاني محذوف ، تقديره : وجعلوا مخلوقهم وهو ما ينحتون من الأصنام كقوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) [الصافات : ٥٩] شركاء لله تعالى.
قوله تعالى : (وَخَرَقُوا) قرأ الجمهور (٢) «خرقوا» بتخفيف الراء ، ونافع بتشديدها.
وقرأ ابن (٣) عباس بالحاء المهملة والفاء وتخفيف الراء ، وابن عمر كذلك أيضا ، إلا أنه شدّد الراء ، والتخفيف في قراءة الجماعة بمعنى الاختلاق.
قال الفراء (٤) : يقال : «خلق الإفك وخرقه واختلقه وافتراه وافتعله وخرصه بمعنى كذب فيه».
والتشديد للتكثير ، لأن القائلين بذلك خلق كثير وجمّ غفير.
وقيل : هما لغتان ، والتخفيف هو الأصل [وحكى الزمخشري أنه سئل الحسن عن هذه الكلمة ، فقال : كلمة عربية كانت العرب تقولها كان الرجل إذا كذب كذبة في نادي القوم يقول له بعضهم : قد خرقها والله أعلم](٥).
وقال الزمخشري (٦) : «ويجوز أن يكون من خرق الثوب إذا شقّه ، أي : اشتقوا له بنين وبنات».
وأما قراءة الحاء المهملة فمعناها التّزوير ، أي : زوّروا له أولادا ؛ لأن المزوّر محرّف ومغيّر الحق إلى الباطل.
وقوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) فيه وجهان :
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٤٦ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٦ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٥ ، حجة أبي زرعة ص (٢٦٤).
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٤٦ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٦ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٥ ، حجة أبي زرعة ص (٢٦٤).
(٤) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٤٨.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٣.