الله ، أتبعه بقوله : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) لئلا يصير ذلك القول سببا لفتوره عن تبليغ الدّعوة والرّسالة ، والمقصود : تقوية «قلبه» ، وإزالة الحزن الذي حصل بسماع تلك الشّبهة (١).
قوله : «ما أوحي» يجوز أن تكون «ما» : اسميّة ، والعائد هو القائم مقام الفاعل ، و «إليك» : فضلة ، وأجازوا أن تكون مصدريّة ، والقائم مقام الفاعل حينئذ : الجار والمجرور ، أي : الإيحاء الجائي من ربّك ، و «من» لابتداء الغاية مجازا ، ف (مِنْ رَبِّكَ) : متعلّق ب «أوحي».
وقيل : بل هو حال من «ما» نفسها.
وقيل : بل هو حال من الضّمير المستتر في «أوحي» وهو بمعنى ما قبله.
وقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) جملة معترضة بين هاتين الجملتين الأمريّتين ، هذا هو الأحسن.
وجوّز أبو البقاء (٢) أن تكون حالا من «ربّك» وهي حال مؤكّدة ، تقديره : من ربّك منفردا.
قوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) أي : لا تجادلهم.
وقيل : المراد : ترك المقاتلة ؛ فلذلك قالوا : إنّه منسوخ ، وهذا ضعيف ؛ لأن الأمر بترك المقاتلة في الحال لا يفيد الأمر بتركها دائما ، وإذا كان الأمر كذلك لم يجب التزام النّسخ (٣).
قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ) : مفعول المشيئة محذوف ، أي : «لو شاء الله إيمانهم» وقد تقدّم أنه لا يذكر إلا لغرابته ، والمعنى : لا تلتفت إلى سفاهات هؤلاء الكفّار ، فإنّي لو أردت إزالة الكفر عنهم ، لقدرت ، ولكنّي تركتهم مع كفرهم ، فلا يشتغل قلبك بكلماتهم (٤).
وتمسّك أهل السّنّة بقوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) والمعنى : لو شاء ألّا يشركوا ، ما أشركوا ، وحيث لم يحصل الجزاء ، لم يحصل الشّرط.
وقالت المعتزلة : ثبت بالدّليل أنّه ـ تعالى ـ أراد من الكلّ الإيمان ، وما شاء من أحد الكفر ، وهذه الآية الكريمة تقتضي : أنّه ـ تعالى ـ ما شاء من الكلّ الإيمان ؛ فوجب التّوفيق بين الدّليلين ، فيحمل مشيئة الله لإيمانهم ، على مشيئة الإيمان الاختياريّ الموجب للثّواب ، ويحمل عدم مشيئته لإيمانهم ، على الإيمان الحاصل بالقهر والجبر ، يعني : أنه ـ تبارك وتعالى ـ ما شاء منهم أن يحملهم على الإيمان على سبيل القهر والإلجاء ؛ لأنّ
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١١٣.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٧.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ١١٣.
(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ١١٣.