فإن قيل : شتم الأصنام من أصول الطّاعات ، فكيف يحسن أن ينهى عنه.
فالجواب : أن هذا الشّتم وإن كان طاعة ، إلّا أنّه إذا وقع على وجه يستلزم وجود منكر عظيم ، وجب الاحتراز منه ، والأمر ههنا كذلك ؛ لأنّ هذا الشتم كان يستلزم إقدامهم على شتم الله ، وشتم رسوله ، وعلى فتح باب السّفاهة ، وعلى تنفيرهم عن قبول الدّين ، وإدخال الغيظ والغضب في قلوبهم ، فلهذه المنكرات وقع النّهي عنه.
قوله : (مِنْ دُونِ اللهِ) يجوز أن يتعلّق ب «يدعون» وأن يتعلّق بمحذوف على أنّه حال : إمّا من الموصول ، وإمّا من عائده المحذوف ، أي : يدعونهم حال كونهم مستقرّين من دون الله.
قوله : «فيسبّوا» الظّاهر أنه منصوب على جواب النّهي بإضمار أن بعد الفاء ، أي : «لا تسبّوا آلهتهم ، فقد يترتّب عليه ما يكرهون من سبّ الله» ، ويجوز أن يكون مجزوما نسقا على فعل النّهي قبله ؛ كقولهم : «لا تمددها ، فتشقّها» وجاز وقوع «الّذين» ـ وإن كان مختصّا بالعقلاء ـ على الأصنام الّتي لا تعقل ، معاملة لها معاملة العقلاء ؛ كما أوقع عليها «من» في قوله : (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) [النحل : ١٧].
قال شهاب الدّين (١) : وفيه نظر ؛ لأنّ «الّذي» و «الّتي» وسائر الموصولات ما عدا «من» فإنّها تدخل على العقلاء وغيرهم ، تقول : أنت الرّجل الّذي قام ، ورأيت الفرس الّذي اشتريته ، قال : ويجوز أن يكون ذلك للتّغليب ، لأن المعبود من دون الله عقلاء ؛ ك «المسيح» و «عزير» و «الملائكة» وغيرهم ، [فغلّب](٢) العاقل ، وهذا بعيد ؛ لأنّ المسلمين لا يسبّون هؤلاء ويجوز أن يراد بالّذين يدعون : المشركين ، أي : لا تسبّوا الكفرة الّذين يدعون غير الله من دون الله ، وهو وجه واضح.
قوله : «عدوا» الجمهور على فتح العين ، وسكون الدّال ، وتخفيف الواو (٣) ، ونصبه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه منصوب على المصدر ؛ لأنّه نوع من العامل فيه ؛ لأنّ السّبّ من جنس العدو.
والثاني : أنّه مفعول من أجله ، أي : لأجل العدو ، وظاهر كلام الزّجّاج (٤) : أنه خلط القولين ، فجعلهما قولا واحدا ، فإنه قال : «وعدوا» منصوب على المصدر ؛ لأن المعنى : فتعدوا عدوا.
قال : «ويكون بإرادة اللّام» والمعنى : فيسبّوا الله للظّلم.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥٣.
(٢) في أ : فعلنا.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥٣ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٦ ، النشر ٢ / ٢٦١.
(٤) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٠٨.