وتخبرنا : أنّ عيسى كان يحيى الموتى ، وأن صالحا أخرج النّاقة من الجبل ؛ فأتنا أنت أيضا بآية ، لنصدّقك. فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : ما الذي تحبّون؟ قالوا : تجعل لنا الصّفا ذهبا ، أو ابعث لنا بعض موتانا حتى نسأله عنك ؛ أحقّ ما تقول ، أم باطل ، أو أرنا الملائكة يشهدون ذلك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فإن فعلت بعض ما تقولون ، أتصدّقونني؟ قالوا : نعم ، والله ، لأن فعلت ، لنتّبعنّك ، فقام ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو فجاءه جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقال : إن شئت ، كان ذلك ، ولئن كان ، فلم يصدّقوا عنده ، لنعذّبنهم ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ بل حتّى يتوب تائبهم ، فأنزل الله ـ تعالى ـ الآية الكريمة (١).
وقيل : لما نزل قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤] ، أقسم المشركون بالله ، لئن جاءتهم آية ، ليؤمننّ بها ، فنزلت الآية الكريمة.
واختلفوا في المراد بالآية.
فقيل : ما تقدّم من جعل الصّفا ذهبا.
وقيل : هي الأشياء المذكورة في قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [الإسراء : ٩٠].
وقيل : إن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يخبرهم : بأنّ عذاب الاستئصال كان ينزل بالأمم الماضية الذين كذّبوا أنبياءهم ، فالمشركون طلبوا مثلها.
قوله : (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) ذكروا في لفظة «عند» وجوها :
فقيل : معناه : أنه ـ تبارك وتعالى ـ هو المختصّ بالقدرة على أمثال هذه الآيات دون غيره ؛ لأن المعجزات الدّالّة النبّوّات ، شرطها أن لا يقدر على تحصيلها أحد إلا الله ـ تعالى ـ.
وقيل : المراد بالعنديّة : أن العلم بأن إيجاد هذه المعجزات ، هل يقتضي إقدام هؤلاء الكفّار على الإيمان أم لا؟ ليس إلا عند الله ، كقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) [الأنعام : ٥٩].
وقيل : المراد : أنّها وإن كانت معدومة في الحال ، إلا أنّه ـ تعالى ـ متى شاء ، أوجدها ، فهي جارية مجرى الأشياء الموضوعة عند الله ، يظهرها متى شاء ، وليس لكم أن تتحكّموا في طلبها ، ولفظ «عند» على هذا ؛ كما في قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) [الحجر : ٢١].
__________________
(١) أخرجه الطبري في تفسيره (٥ / ٣٠٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٧٢) وانظر الرازي (١٣ / ١١٧) والقرطبي (٧ / ٤٢).