قوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) «ما» : استفهاميّة مبتدأ ، والجملة بعدها خبرها ، وفاعل «يشعر» يعود عليها ، وهي تتعدى لاثنين.
الأوّل : ضمير الخطاب.
والثاني : محذوف ، أي : وأيّ شيء يدريكم إيمانهم [إذا جاءتهم الآيات التي اقترحوها.
قال أبو علي (١) : «ما» استفهام ، وفاعل «يشعركم» ضمير «ما» والمعنى : وما يدريكم إيمانهم؟ فحذف المفعول ، وحذف المفعول كثير](٢).
والمعنى أي : بتقدير أن تجيئهم هذه الآيات ، فهم لا يؤمنون.
وقرأ العامّة (٣) : أنها بفتح الهمزة ، وابن كثير وأبو عمرو ، وأبو بكر بخلاف عنه بكسرها.
فأمّا قراءة الكسر : فواضحة استجودها النّاس : الخليل وغيره ، لأن معناها : استئناف إخبار بعدم إيمان من طبع على قلبه ، ولو جاءتهم كلّ آية.
قال سيبويه (٤) : سألت الخليل عن هذه القراءة يعني : قراءة الفتح فقلت : ما منع أن يكون كقولك : ما يدريك أنّه لا يفعل؟ فقال : لا يحسن ذلك في هذا الموضع ، إنّما قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ) ثم ابتدأ ؛ فأوجب ، فقال : (أَنَّها إِذا جاءَتْ ، لا يُؤْمِنُونَ) ولو فتح ، فقال : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ، لكان عذرا لهم ، وقد شرح النّاس قول الخليل ، وأوضحوه ، فقال الواحدي وغيره : لأنّك لو فتحت «أنّ» وجعلتها الّتي في نحو : بلغني أنّ زيدا منطلق ، لكان عذرا لمن أخبر عنهم أنّهم لا يؤمنون ؛ لأنّه إذا قال القائل : «إنّ زيدا لا يؤمن» فقلت : وما يدريك أنّه لا يؤمن؟ كان المعنى : أنه يؤمن ، وإذا كان كذلك ، كان عذرا لمن نفى عنه الإيمان ، وليس مراد الآية الكريمة ، إقامة عذرهم ، ووجود إيمانهم.
وقال الزّمخشري (٥) : «وقرىء «إنّها» بالكسر ؛ على أنّ الكلام قد تمّ قبله بمعنى : «ما يشعركم ما يكون منهم» ثمّ أخبرهم بعلمه فيهم ، فقال : إنّها إذا جاءت ، لا يؤمنون».
وأما قراءة الفتح : فقد وجّهها النّاس على ستّة أوجه :
أظهرها : أنّها بمعنى : لعلّ ، حكى الخليل «أتيت السّوق أنّك تشتري لنا منه شيئا» أي : «لعلّك» فهذا من كلام العرب ـ كما حكاه الخليل ـ شاهد على كون «أنّ» بمعنى لعلّ وأنشد أبو جعفر النّحّاس : [الطويل]
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١١٨.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر : الحجة للفارسي ٣ / ٣٧٦ ، الدر المصون ٣ / ١٥٤ المحتسب ١ / ٢٢٦ ، النشر ٢ / ٢٦١ ، الوسيط ٣ / ٣١١. التبيان ١ / ٥٣٠ ومجاز القرآن ١ / ٢٠٤ الأخفش ٢ / ٥٠١ الحجة لأبي زرعة ص ٢٦٥. السبعة ٢٦٥.
(٤) ينظر : الكتاب ١ / ٤٦٢.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٧.