فأولها : قولهم : هذه أنعام وحرث حجر «لا يطعمها».
قرأ الجمهور (١) «أنعام» بصيغة الجمع وأبان بن عثمان «نعم» بالإفراد ، وهو قريب لأن اسم الجنس يقوم مقام الجمع ، وقرأ الجمهور (٢) : «حجر» بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم.
وقرأ الحسن وقتادة والأعرج : بضم الحاء وسكون الجيم.
ونقل عن الحسن وقتادة أيضا : فتح الحاء وسكون الجيم ، ونقل عن أبان بن عثمان : ضمّ الحاء والجيم معا.
وقال هارون : كان الحسن يضمّ الحاء من «حجر» حيث وقع في القرآن إلّا موضعا واحدا [وهو] : (وَحِجْراً مَحْجُوراً) [الفرقان : ٥٣].
والحاصل : أن هذه المادّة تدل على المنع والحصر ؛ ومنه : فلان في حجر القاضي أي : في منعه ، وفي حجري ، أي : ما يمنع من الثّوب أن ينفلت منه شيء ، وقد تقدم تحقيق ذلك في النّساء.
فقوله : (وَحَرْثٌ حِجْرٌ) أي : ممنوع ف «فعل» بمعنى مفعول ؛ كالذّبح والنّطح بمعنى مذبوح ومنطوح.
فإن قيل : قد تقدّم شيئان : وهما أنعام وحرث ، وجيء بالصّفة مفردة.
فالجواب : أنه في الأصل مصدر ، والمصدر يذكّر ويوحّد مطلقا.
قال الزّمخشري (٣) : «ويستوي في الوصف به المذكّر والمؤنّث والواحد والجمع ؛ لأن حكمه حكم الأسماء غير الصّفات» يعني بكونه حكمه حكم الأسماء : أنه في الأصل مصدر لا صفة ، فالاسم هنا يراد به المصدر (٤) ، وهو مقابل الصّفة.
وأما بقية القراءات : فقال أبو البقاء (٥) : «إنها لغات في الكلمة» ، وفسر معناها بالممنوع.
قال شهاب الدين (٦) : ويجوز أن يكون المضموم الحاء والجيم مصدرا ، وقد جاء من المصادر للثّلاثي ما هو عل وزن «فعل» بضمّ الفاء والعين ، نحو : حلم ، ويجوز أن يكون جمع «حجر» بفتح الحاء وسكون الجيم ، و «فعل» قد جاء قليلا جمعا «لفعل» نحو : سقف وسقف ، ورهن ورهن ، وأن يكون جمعا ل «فعل» بكسر الفاء ، و «فعل» أيضا قد جاء جمعا «لفعل» بكسر الفاء وسكون العين ، نحو : حدج وحدج ، وأما حجر
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٥ ، البحر المحيط ٤ / ٢٣٣.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٥ ، البحر المحيط ٤ / ٢٣٣.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٧١.
(٤) في ب : العدد.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٢.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٥.