وإذا حملناه على هذا الوجه ، لم يبق للمعتزلة تمسّك بهذه الآية.
ومما يقوّي ما ذكرناه : ما روي عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ ؛ قيل له بعد ذهاب بصره : ما تقول فيمن يقول : لا قدر؟ فقال : إن كان في البيت منهم أحد أتيت عليه ، ويله أما يقول الله : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] ، (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) [يس : ١٢].
وقال ابن عباس : «أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فجرى القلم فكتب بما يكون إلى قيام السّاعة» وقال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «المكذّبون بالقدر مجوس هذه الأمّة»(١).
قوله : (وَلا آباؤُنا) عطف على الضّمير المرفوع المتّصل ، وزعم سيبويه : أن عطف الظّاهر على المضمر المرفوع في الفعل قبيح ، فلا يجوز أن يقال : «قمت وزيد» ؛ لأن المعطوف عليه أصل والعطف فرع المضمر ، والمظهر قويّ فجعله فرعا للضّعيف لا يجوز ، وإذا عرف هذا فنقول : إن جاء الكلام في جانب الإثبات ؛ وجب تأكيد المضمر فتقول : «أنا وزيد» ، وإن جاء في جانب النّفي قلت : «ما قمت ولا زيد» ، وإذا ثبت هذا ؛ فنقول : قوله : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) فعطف قوله : (وَلا آباؤُنا) على فاعل الضّمير في قوله : (ما أَشْرَكْنا) ، ولم يأت هنا بتأكيد بضمير رفع منفصل ، ولا فاصل بين المتعاطفين اكتفاء بوجود «لا» الزّائدة للتّأكيد فاصلة بين حرف العطف والمعطوف ، وهذا هو على قواعد البصريّين ، وأمّا الكوفيّون فلا يشترطون شيئا من ذلك ، وقد تقدّم إتقان هذه المسألة.
وفي هذه الآية لم يؤكّد الضمير ، وفي آية النّحل أكّد ؛ فقال تعالى : (ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا) [النحل : ٣٥]. وهناك أيضا قال : (مِنْ دُونِهِ) مرّتين ، وهنا قالها مرة واحدة ، فقال أبو حيّان : «لأن لفظ «العبادة» يصحّ أن ينسب إلى إفراد الله بها ، وهذا ليس بمستنكر ، بل المستنكر عبادة غير الله ، أو شيء مع الله ، فناسب هنا ذكر «من دونه» مع العبادة ، وأمّا لفظ (ما أَشْرَكْنا) ، فالإشراك يدلّ على إثبات شريك ، فلا يتركّب مع هذا الفعل لفظ (مِنْ دُونِهِ) لو كان التّركيب في غير القرآن : «ما أشركنا من دونه» [لم يصحّ المعنى.
وأمّا (مِنْ دُونِهِ) الثّانية ، فالإشراك يدلّ على تحريم أشياء وتحليل أشياء ، فلم يحتج
__________________
(١) أخرجه أبو داود ٤ / ٢٢٢ كتاب السنة : باب في القدر (٤٦٩١) وابن ماجه ١ / ٣٥ المقدمة باب في القدر والحاكم في المستدرك ١ / ٨٥ وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن صحّ سماع أبي حازم من ابن عمر ، وأقره الذهبي ، وأحمد في المسند ٢ / ٨٦ ـ ١٢٥ ، وقد ذكره ابن حبان في المجروحين ضمن ترجمة زكريا بن منظور مستشهدا به على أنه «منكر الحديث جدا يروي عن أبي حازم ما لا أصل له من حديثه» المجروحين لابن حبان ١ / ٣١٠.