ويكفي في ذلك (١) ما ذكره الشهيد الثاني من «أنّ المكره والفضوليّ قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله».
______________________________________________________
(١) أي : يكفي في أنّ المراد من نفي القصد في المكره ليس نفي قصد المعنى ـ وعدم استعمال الكلام فيه ـ ما ذكره الشهيد الثاني. وجه الكفاية : أنّه قدسسره جعل المكره والفضولي على حدّ سواء في قصد المدلول ، ومن المعلوم أنّ الفضوليّ قاصد للمدلول ومريد له من اللفظ ـ بمعنى استعماله فيه ـ فكذلك المكره.
ولا بأس بنقل بعض كلامه وقوفا على حقيقة الأمر. قال في شرح قول المحقق : «فلا يصح بيع الصبي .. وكذا المجنون والمغمى عليه والسكران والمكره ، ولو رضي كلّ منهم بما فعل بعد زوال عذره ، عدا المكره للوثوق بعبارته» ما لفظه : «الفرق بينهم وبين المكره واضح ، إذ لا قصد لهم إلى العقد ولا أهلية لهم ، لفقد شرطه وهو العقل. بخلاف المكره ، فإنّه بالغ عاقل ، وليس ثمّ مانع إلّا عدم القصد إلى العقد حين إيقاعه ، وهو مجبور بلحوقه له بالإجازة ، فيكون كعقد الفضولي ، حيث انتفى القصد إليه من مالكه الذي يعتبر قصده حين العقد ، فلمّا لحقه القصد بالإجازة صحّ .. وبهذا يظهر ضعف ما قيل هنا من انتفاء القصد أصلا ورأسا مع عدم الرضا» إلى أن قال :
«ويمكن أن يقال : إن القصد من المكره حاصل ، دون من سبق ـ أي المجنون والمغمى عليه والسكران ـ لأنّ غير العاقل لا يقصد إلى اللفظ ، ولا إلى مدلوله. بخلاف المكره ، فإنّه باعتبار كونه عاقلا قاصد إلى ما يتلفظ به ، ويفعله بشعوره ، لكنه بالإكراه غير قاصد إلى مدلوله. وذلك كاف في صلاحيته وقبوله للصحة .. ومثله القول في عقد الفضولي .. ولا يتحقق منه قصد مدلوله أعني نقل الملك والتسليط على التصرف وغيرهما من أحكام العقد ..» (١).
فالشهيد الثاني قدسسره أبطل دعوى انتفاء القصد في المكره أصلا ورأسا كما هو الحال في النائم ، وأثبت القصد إلى اللفظ ، ونفاه عن المدلول.
__________________
(١) مسالك الأفهام ، ج ٣ ، ص ١٥٥ ـ ١٥٦.