اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه الخاص ، والقائل بهذا الوجه لا يقول بالاقتضاء المذكور.
الوجه الرابع : إنّ الآية «(فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ) لا علاقة لها بالبحث ، إذ هي خطاب لعامّة الناس وترغيب لأن يتسابقوا ، فيسبق بعضهم البعض الآخر إلى الخيرات ، ومحلّ الكلام ما لو كان الإنسان مكلَّفاً بواجبٍ فهل يجب المبادرة أو لا ، سواء كان هناك مكلَّف آخر بهذا العمل أم لم يكن.
وفيه : إن المطلب بلحاظ مادّة الاستباق كما ذكره ، لكنْ في التفاسير كمجمع البيان (١) من الخاصّة والرازي من العامّة (٢) في معنى الآية : ائتوا بالطّاعات على الفوريّة ، فهي تدل على الإسراع نحو الطّاعات ...
ومع الغض عمّا ذكروا بتفسير الآية ، فلو فرض كون المدلول هو التسابق ووجود المكلَّفين وتعدّد مورد التكليف ، فإنّ أهل العرف في مثل هذا المورد لا يفرّقون بين صورة تعدّد المكلّف ومورد التكليف وصورة عدم التعدّد فيهما.
الوجه الخامس : إن هذا الأمر استحبابي وليس بوجوبي ، فقد جاء لحمل المكلّف على السعي لتحصيل الثواب ، إذ لو حمل على الوجوب والإلزام لزم تخصيص الأكثر المستهجن ، وذلك لخروج المستحبّات التي لا ريب في كونها خيراً موجباً للمغفرة ، مع أن المسارعة إليها ليس بواجب.
وهذا هو الجواب الصحيح عن الاحتجاج بالآيتين ويختلف عن الوجه الأول في كيفية الاستدلال فلا تغفل.
__________________
(١) مجمع البيان ١ / ٢٩٦ ط الأعلمي.
(٢) تفسير الرازي ٤ / ١٣٣.