مفهومٌ على مسلكهم ... لأنّ المقصود ليس اللفظ بل واقع الأمر هو المقصود بأيّ لفظ كان ، وهو أنه لا بدَّ وأنْ يكون هناك شيء وراء الأمارة. وقد فصّل الاستاذ دام بقاه الكلام عليه في الدورة السّابقة ، فذكر الإشكال عن المحققين كالعراقي و(المحاضرات) من أنّ الامارة لا بدّ وأنْ تكون حاكية وكاشفة عن شيء ، ولا يعقل الكشف من دون مكشوف ، والحكاية من دون محكي ، فلو توقّف ثبوته على قيام الأمارة عليه لزم الدّور أو الخلف.
ثم أورد جواب بعض المحققين عن هذا الإشكال :
نقضاً : بأنَّ الأمارة قد تكون ولا كاشفيّة عن حكمٍ واقعي ، والأحكام العقلية لا تقبل التخصيص ، فلا توقّف لوجود الأمارة على الحكم.
وحلاًّ : بأنّ توقف الأمارة على وجود المحكي والمكشوف ، لا يستلزم كون وجود المحكي والمكشوف وجوداً واقعيّاً بل هو بالوجود العنواني ، وكذلك العلم فإنه كاشف عن وجود المعلوم العنواني ، ففرق بين الأمارة المطابقة للواقع ، حيث لا بدّ من كون المحكي واقعيّاً ، وبين ذات الأمارة ، حيث المحكي بها هو الوجود العنواني للمتعلَّق ، وقد وقع الخلط بينهما ، وللقائل بعدم وجود الأحكام في متن الواقع وأن الحكم يوجد بقيام الأمارة أن يقول بكون وزان الأمارة وزان الجهل المركّب ، فكما أن الجهل المركّب لا واقع له ، كذلك الأمارة القائمة على حكمٍ صوري ، فإنّها تقوم على الوجود العنواني للحكم. إذن ، الأمارة موقوفة على الوجود العنواني للحكم ، وأمّا الحكم الواقعي فمتوقّف على وجود الأمارة ، فتغاير الموقوف والموقوف عليه.
قال الاستاذ : وهذا تحقيق رشيق ، يندفع به الإشكال العقلي المذكور ،