قلت : ما هو بمعنى الماضي ، وإنما هو دالّ على فعل مستمر في الأزمنة.
قال أبو حيّان (١) : أما قوله : إنما هو دالّ على فعل مستمر في الأزمنة يعني : فيكون عاملا ، ويكون للمجرور إذ ذاك بعده موضع فيعطف عليه (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) قال : «وهذا ليس بصحيح إذا كان لا يتقيّد بزمن خاصّ ، وإنما هو للاستمرار ، فلا يجوز له أن يعمل ، ولا لمجروره محلّ ، وقد نصّوا على ذلك ، وأنشدوا عليه قول القائل في ذلك : [البسيط]
٢٢٦٥ ـ ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة |
|
.......... (٢) |
فليس «الكاسب» هنا مقيدا بزمان ، و «إن» تقيّد بزمان فإما أن يكون ماضيا دون «أل» فلا يعمل عند البصريين ، أو ب «أل» أو حالا أو مستقبلا ، فيعمل فيضاف على ما تقرر في النحو». ثم قال : وعلى تقدير تسليم أن الذي للاستمرار يعلم ، فلا يجوز العطف على محلّ مجروره ، بل مذهب (٣) سيبويه ـ رحمهالله ـ في «الذي» بمعنى الحال والاستقبال ألّا يجوز العطف على محلّ مجروره ، بل على النصب بفعل مقدّر لو قلت : هذا ضارب زيد وعمرا [لم يكن نصب عمرا](٤) على المحل [على الصحيح](٥) وهو مذهب سيبويه ؛ لأن شرط العطف على الموضع مفقود ، وهو أن يكون للموضع محرز لا يتغير ، وهذا موضّح في علم النحو.
قال شهاب الدين (٦) : وقد ذكر الزّمخشري في أوّل الفاتحة في (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٢] أنه لمّا لم يقصد به زمان صارت إضافته محضة ، فلذلك وقع صفة للمعارف فمن لازم قوله : إنه يتعرف بالإضافة ألّا يعمل ؛ لأن العامل في نيّة الانفصال عن الإضافة ، ومتى كان في نيّة الانفصال كان نكرة ومتى كان نكرة فلا يقع صفة للمعرفة ، وهذا حسن حيث يرد عليه بقوله : وقد تقدم تحقيق هذا في الفاتحة.
وقرأ أبو حيوة (٧) : «والشّمس والقمر» جرّا نسقا على اللفظ وقرأ (٨) شاذّا «والشّمس والقمر» رفعا على الابتداء ، وكان من حقّه أن يقرأ «حسبان» رفعا على الخبر ، وإنما قرأه نصبا فالخبر حينئذ محذوف ، تقديره مجعولان حسبانا ، أو مخلوقان حسبانا.
فإن قلت : لا يمكن في هذه القراءة رفع «حسبان» حتى تلزم القارىء بذلك ؛ لأن الشّمس والقمر ليسا نفس الحسبان.
فالجواب : أنهما في قراءة النصب إما مفعولان أوّلان ، و «حسبان» ثان ، وإما
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٩٠.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : الكتاب ١ / ٥٦ ، ١ / ٨٦.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٤.
(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٠ ، حجة القراءات لأبي زرعة (٢٦٢) إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٤ ، التبيان ١ / ٥٢٣ ، الزجاج ٢ / ٢٠١.
(٨) انظر الدر المصون ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٠ ، الحجة لأبي زرعة (٢٦٢) ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٤ ، التبيان ١ / ٥٢٣ ، النشر ٢ / ٢٦٠.