بهاتين الحالين ، فيكون الفعلان](١) أيضا داخلين في التمنّي.
وقد استشكل الناس هذين الوجهين ، بأن التّمنّي إنشاء ، والإنشاء لا يدخله الصّدق ولا الكذب ، وإنما يدخلان في الأخبار ، وهذا قد دخله الكذب لقوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ). وقد أجابوا عن ذلك بثلاثة أوجه :
أحدها : ذكره الزمخشري (٢) ـ قال : هذا تمنّ تضمّن معنى العدة ، فجاز أن يدخله التّكذيب كما يقول الرّجل : «ليت الله يرزقني مالا فأحسن إليك ، وأكافئك على صنيعك» فهذا متمنّ في معنى الواعد ، فلو رزق مالا ولم يحسن إلى صاحبه ، ولم يكافئه كذب ، وصحّ أن يقال له كاذب ، كأنه قال : إن رزقني الله مالا أحسنت إليك.
والثاني : أن قوله تبارك وتعالى : (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ليس متعلّقا بالمتمني ، بل هو محض إخبار من الله تبارك وتعالى ، بأنهم ديدنهم الكذب وهجيراهم ذلك ، فلم يدخل الكذب في التمنّي ، وهذان الجوابان واضحان ، وثانيهما أوضح.
والثالث (٣) : أنّا لا نسلّم أنّ التمنّي لا يدخله الصّدق ولا الكذب ، بل يدخلانه ، وعزي ذلك إلى عيسى بن عمر ، واحتج على ذلك بقول الشاعر [حيث قال](٤) : [الطويل]
٢١٣٩ ـ منى إن تكن حقّا تكن أحسن المنى |
|
وإلّا فقد عشنا بها زمنا رغدا (٥) |
قال : «وإذا جاز أن توصف المنى بكونها حقّا جاز أن توصف بكونها باطلا وكذبا».
وهذا الجواب ساقط جدا ، فإن الذي وصف بالحقّ إنما هو المنى ، و «المنى» : جمع «منية» و «المنية» توصف بالصّدق والكذب مجازا ؛ لأنها كأنها تعد النّفس بوقوعها ، فيقال لما وقع منها : صادق ، ولما لم يقع منها : كاذب ، فالصّدق والكذب إنما دخلا في المنية لا في التمني.
والثالث من الأوجه المتقدمة : أن قوله : (وَلا نُكَذِّبَ) خبر لمبتدأ محذوف ، والجملة استئنافيّة لا تعلّق لها بما قبلها ، وإنما عطفت هاتان الجملتان الفعليتان على الجملة المشتملة على أداة التمني وما في حيّزها ، فليست داخلة في التّمنّي أصلا ، وإنما أخبر الله ـ تبارك وتعالى ـ عنهم أنهم أخبروا عن أنفسهم بأنهم لا يكذبون بآيات ربّهم ، وأنّهم يكونون من المؤمنين ، فتكون هذه الجملة وما عطف عليها في محلّ نصب بالقول ، كأنّ التقدير : فقالوا : يا ليتنا نردّ وقالوا : نحن لا نكذّب ونكون من المؤمنين.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٥.
(٣) في ب : وثانيهما.
(٤) سقط في ب.
(٥) البيت لرجل من بني الحارث في ذيل الأمالي ص (١٠٢) وينظر : شرح عمدة الحافظ ص (٣٦٨) ، شرح الحماسة ٣ / ١٤١٣ ، روح المعاني ٧ / ١٣٠ ، الدر المصون ٣ / ٣٨.