.................................................................................................
__________________
وعليه فاعتبار القصد إلى المنشأ في حقيقة الإنشاء راجع إلى اعتبار عدم الإكراه ، لا إلى اعتبار طيب النفس ، لكفاية الشرط السابق في اعتباره ، لأنّ الإنشاء متقوم بقصد وقوع المنشأ ، فبدون القصد لا يتحقق الإنشاء.
ودعوى عدم القصد في عقد المكره أصلا غير مسموعة ، إذ مع عدم العقد كيف يكون عقد المكره بالحق صحيحا ، والمكره بغير الحق صحيحا بالرضا اللاحق؟ فالقصد المقوم للعقدية موجود في عقد المكره ، وإلّا لم يكن عقدا قابلا للصحة بالرضا اللاحق.
فالمتحصل : أنّ المعتبر في صحة العقد عدم الإكراه. وأمّا الرضا بمضمون العقد وطيب النفس به المتوقف عليهما قصد الإنشاء فهو مما لا بدّ منه في تحقق عنوان العقد.
ومنه يظهر أنّ الإكراه مانع شرعا ، لا أنّ طيب النفس شرط كذلك ، فإذا قصد اللفظ والمعنى وأنشأ المعنى باللفظ فقد تحقّق العقد ، وهو نافذ ، ويترتب عليه الأثر ، إلّا إذا وقع عن إكراه. فلو شك في تحقق الإكراه ينفى بالأصل ، ويحكم بصحته. وهذا بخلاف ما إذا كان طيب النفس شرطا ، فلا يحكم بصحته إلّا إذا أحرز هذا الشرط.
نعم إذا شكّ بعد العقد في أنّه هل صدر عن إكراه أم عن طيب النفس فمقتضى أصالة الصحة صحّته في ظاهر الشرع ، من غير فرق في ذلك بين شرطية الطيب ومانعية الكراهة.
ثمّ إن تنقيح البحث في هذه المسألة يتوقف على التعرض لجهات :
الاولى : أنّه قد حكي اتفاق كلمة الأصحاب على بطلان عقد المكره. وأمّا العامة فقد اختلفت كلماتهم في ذلك. فعن الحنابلة «يشترط في البيع أن يكون العاقدان مختارين ظاهرا وباطنا ، فإذا كانا مختارين في الظاهر فقط كأن اتفقا على بيع عين لأحدهما فرارا من ظالم يريد اغتصابها ، فإنّ هذا البيع يقع باطلا ، ولا ينعقد ، لأنّهما وإن تعاقدا باختيارهما ظاهرا ، ولكنهما في الباطن لا يريدان هذا البيع ، ويسمّى بيع التلجئة والأمان. أمّا إذا باع شيئا فرارا من ظالم ونحوه من غير أن يتفق مع المشتري على أنّ هذا بيع تلجئه وأمانة ، فإنّ البيع يقع صحيحا ، لأنّه صدر من غير إكراه في هذه الحالة».
وعن الحنفية «أنّ عقد المكره ينعقد فاسدا ، ولكن يصح بالإجازة».