وذكر فى الآية الأولى المنعم ولم يذكر المنعم عليهم. فأعادها مع ذكرهم ، وقال : ربّ العالمين ، الرحمن بهم أجمعين (١) الرحيم بالمؤمنين خاصّة يوم الدين ، ينعم عليهم ويغفر لهم. وقيل : لمّا أراد ذكر يوم الدين لأنه ملكه ومالكه ، وفيه يقع الجزاء ، والعقاب ، والثواب وفى ذكره يحصل للمؤمن ما لا مزيد عليه : من الرعب (٢) والخشية ، والخوف ، والهيبة قدّم عليه ذكر الرّحمن الرحيم تطمينا (٣) له ، وتأمينا ، وتطييبا لقلبه ، وتسكينا ، وإشعارا بأن الرّحمة سابقة غالبة ، فلا ييأس ولا يأسى (٤) فإن (٥) ذلك اليوم ـ وإن كان عظيما عسيرا ـ فإنما (٦) عسره وشدّته على الكافرين ؛ وأمّا المؤمن فبين صفتى الرّحمن الرّحيم من الآمنين.
ومنها قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) كرّر (إِيَّاكَ) ولم يقتصر على ذكره مرّة كما اقتصر على ذكر أحد المفعولين فى (ما (٧) وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) وفى آيات كثيرة ؛ لأن فى التقديم فائدة وهى قطع الاشتراك (٨) ، ولو حذف لم يدلّ على التقدّم (٩) ؛ لأنك لو قلت : إيّاك نعبد ونستعين لم يظهر أن التّقدير : إياك نعبد وإيّاك نستعين. وكرّر (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) لأنّه يقرب ممّا ذكرنا فى (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ). وذلك بأن الصّراط هو المكان المهيّأ للسّلوك ، فذكر فى الأوّل المكان ولم يذكر السّالكين ، فأعاده
__________________
(١) سقط فى ب
(٢) سقط فى أ
(٣) كذا ولم أقف فى اللغة على التطمين. وانما هو الطمأنة
(٤) من الأسى ، وهو الحزن. وفى أ ، ب : «ياس» ولا يظهر الا على جعل (لا) ناهية ، وهو بعيد فى المعنى.
(٥) أ : «بأن»
(٦) ب : «فان»
(٧) الآية ٣ سورة الضحى
(٨) كذا. وقد يكون : «الاشراك».
(٩) ب : «التقديم»