لأنّ الأوّل فى حقّ يحيى. وجاء فى الحديث (١) : ما من أحد من بنى آدم إلّا أذنب أو همّ بذنب إلّا يحيى بن زكريّا عليهماالسلام ، فنفى عنه العصيان ؛ والثّانى فى حقّ عيسى عليهالسلام فنفى عنه الشقاوة ، وأثبت له السّعادة ، والأنبياء عندنا (٢) معصومون عن الكبائر دون الصّغائر.
قوله : (وَسَلامٌ (٣) عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ) فى قصّة يحيى (وَالسَّلامُ عَلَيَّ) (٤) فى قصة عيسى ، فنكّر فى الأول ، وعرّف فى الثانى ؛ لأنّ الأوّل من الله تعالى ، والقليل منه كثير كقول القائل :
قليل منك يكفينى ولكن |
|
قليلك لا يقال له قليل (٥) |
ولهذا قرأ الحسن (اهدنا صراطا مستقيما) أى نحن راضون منك بالقليل ، ومثل هذا فى الشعر كثير ، قال (٦) :
وانّى لأرضى منك يا هند بالذى |
|
لو ابصره الواشى لقرّت بلابله |
بلا ، وبأن لا أستطيع ، وبالمنى ، |
|
وبالوعد حتى يسأم الوعد آمله |
والثانى من عيسى ، والألف واللام لاستغراق الجنس ، ولو أدخل عليه السّبعة (٧) والعشرين والفروع المستحسنة والمستقبحة ، لم يبلغ عشر معشار سلام الله. ويجوز أن يكون ذلك بوحى (٨) من الله عزوجل ، فيقرب من سلام يحيى. وقيل : إنما أدخل الألف واللام لأنّ النكرة إذا تكرّرت
__________________
(١) جاء فى تفسير القرطبى ٤ / ٧٨ حديث بمعناه. وهو : «كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه ان شاء أو يرحمه الا يحيى بن زكريا فانه كان سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين».
(٢) سقط فى ب.
(٣) الآية ١٥.
(٤) الآية ٣٣.
(٥) ورد البيت فى المغنى فى حرف الباء المفردة.
(٦) هو جميل. وانظر نهاية الأرب ٢ / ٢٧٤ وفيه : «بثن» بدل «هند».
(٧) أى بقية حروف الهجاء بعد الهمزة واللام اللذين فى السّلام.
(٨) أ ، ب : «وحى»