القاعدة المذكورة حتى يجاب عنه بما قال ، لأنّ وجه الاستدلال هو إن حدود مفاهيم الألفاظ يرجع فيها إلى أهل اللّسان ، سواء كانت تلك القاعدة موجودةً أو لا ، وقد رأينا أن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وهو أفصح الناس ـ يفيد كلامه أنّ الطلب الندبي غير داخلٍ في مفهوم الأمر. هذا بالنسبة إلى الحديث.
وكذا بالنسبة إلى الآية ، فإنّ الله سبحانه قد رتّب على الأمر ـ بما هو أمر شيئاً لا يترتَّب على الطلب الندبي ، وهو الفتنة والعذاب الأليم ، وبذلك يظهر حدّ المعنى ومفهوم اللّفظ ، بغضّ النظر عن القاعدة ، ولذا نرى أنّ من الاصوليين من لا يلتفت إلى القاعدة أو يلتفت إليها ولكنّ مبناه أن مقتضى الأصل ليس هو تقدّم التخصّص ، ومع ذلك يستدل بالآية والرواية ، وهذا من شواهد ما ذكرناه.
وأجاب دام بقاه في الدورة اللاّحقة بما هو أدق فقال :
إنه يعتبر في مورد دوران الأمر بين التخصيص والتخصّص أنْ يكون قابلاً لهما ، كخروج زيد عن «أكرم العلماء» ، أمّا المورد الذي لا يكون الحكم فيه قابلاً للتخصيص ، فليس بموضوع لكبرى تلك القاعدة ، والآية الكريمة من هذا القبيل ، لأنّ ترتّب العذاب بلا استحقاقٍ له محال ، كما في قوله تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١) ، واستحقاق العذاب من الأحكام العقليّة ، والأحكام العقليّة لا يدور أمرها بين التخصيص والتخصّص ، فمورد عدم استحقاق العقاب ـ وهو الأمر الندبيّ ـ خارج خروجاً تخصّصياً ، فالكبرى غير منطبقة على الآية المباركة.
* وقد يجاب : بأنّ «الأمر» يقابل «النهي» أي الزجر ، وكما أنّ الزجر
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٦.