قال الأستاذ :
ومع التنزّل عمّا في هذه الوجوه ، والتسليم باقتضائها تقدّم الإطلاق الشمولى ، فإنّ تقدّمه إنما يكون فيما لو كان التعارض بين الإطلاقين الشمولي والبدلي تعارضاً بالذات ، بأنْ يكون الدليلان متنافيين ، كما في «لا تكرم الفاسق» و«أكرم عالماً» حين يقع التعارض بينهما في العالم الفاسق ، أمّا لو كان التعارض بالعرض ـ كما لو كان هناك علم إجمالي بسقوط أحدهما في مورد الاجتماع ، مثلاً : لو ورد دليل في وجوب صلاة الجمعة ، ودليل آخر في وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة ، فإنّ الدليل القائم على عدم وجوب الصّلاتين في ظهر يوم الجمعة ، يفيد العلم الإجمالي بسقوط أحد الدليلين ـ فلا تجري القاعدة المذكورة ، وهي الرجوع إلى الأظهريّة.
ومورد البحث هنا من هذا القبيل ، لأنه لا تنافي بالذات بين إطلاق المادّة وإطلاق الهيئة ، في مثل «صلّ» ، لكنّ العلم الإجمالي بتقيّد أحد الإطلاقين يمنع من الأخذ بهما أو بأحدهما ، بل الإطلاقان كلاهما ساقطان.
والحاصل : إنه على فرض تماميّة الكبرى ، فإنّها إنما تجري في حال كون التعارض بالذات ، أمّا مع التعارض بالعرض فلا تجري ، فالإشكال حينئذٍ يعود إلى الصغرى ، فلو تمّت الوجوه المذكورة لإثبات أقوائية الإطلاق الشمولي من البدلي ، بأنْ يكون «لا تكرم الفاسق» أقوى من «أكرم عالماً» ، فلا محصّل لذلك فيما نحن فيه ، بل إنّه مع العلم الإجمالي لا يتقدّم الأقوى حتى لو كان هو الحاكم ، فإنّ الحاكم أقوى من المحكوم بحيث لا يصلح المحكوم للمعارضة معه ، ومع ذلك ، فمقتضى العلم الإجمالي بسقوط أحد الدليلين في مورد الاجتماع هو سقوط كليهما.