يحكم بلزوم حفظ الأغراض اللّزومية للمولى وعدم جواز تفويتها ، بحيث أنّ تفويتها يستتبع استحقاق العقاب عقلاً ، إلاّ أنّ لهذا الحكم مقدّمات :
(المقدّمة الأولى) ـ وهي صغرويّة ـ كون القدرة على العلم غير دخيلةٍ في ملاك الحكم الشرعي والغرض عنه ، فلو كانت دخيلةً فيه في ظرف العمل ، لم يكن تحصيل القدرة عليه أو حفظها واجباً ، لأن القدرة تكون حينئذٍ موضوعاً للحكم ، وتحصيل الموضوع أو حفظه غير لازم.
(المقدّمة الثانية) ـ وهي كبرويّة ـ إنه كما يحكم العقل بلزوم حفظ أحكام المولى وعدم تفويتها ، كذلك يحكم بلزوم حفظ أغراضه ، وكما أن مخالفة الحكم تستتبع العقاب ، كذلك مخالفة علة الحكم وهي الغرض منه.
بل قيل : إن هذا الحكم فطري ، وقد طرحت هذه المسألة في مباحث الاجتهاد والتقليد بمناسبة قولهم : إنه يجب على كلّ مكلّف أنْ يكون مجتهداً أو مقلّداً أو محتاطاً ، فبحثوا عن حقيقة هذا الوجوب وأنه عقلي أو شرعي ، فقيل ـ كما في (المستمسك) (١) ـ بأنه فطري ، بملاك لزوم دفع الضرر المحتمل ، بمناط وجوب شكر المنعم ، فكان وجوب أحد الامور ـ على نحو التخيير ـ وجوباً عقليّاً فطريّاً ، فبالنظر إلى حكم العقل بشكر المنعم فهو حكم عقلي ، وبالنظر إلى ملاكه ـ وهو الفرار من الضرر المحتمل ـ فهو فطري ، ولذا يوجد عند الحيوانات أيضاً.
قال الاستاذ : وفيه تأمّل ، لأنّه لو كان فطريّاً لما عصى الإنسان المكلّف ، لأنّه عاقل ويحتمل العقاب والضرر ، فلو كان الفرار منه فطريّاً لما تحقق منه المعصية ، لكون الأمر الفطري لا يقبل التخلّف ، فتأمّل.
__________________
(١) مستمسك العروة الوثقى ١ / ٦.