غير قاصد إلى مدلوله (١).
______________________________________________________
بمضمون العقد وطيب النفس به ، في قبال الإكراه ، وليس الاختيار هنا بمعنى إرادة مدلول العقد ، فالمكره قاصد لكلّ من اللفظ ومعناه ، والإنشاء والمنشأ. وهذا ربما ينافيه ما ذكره الشهيدان وغيرهما من انتفاء قصد المضمون في المكره ، وإنّما يقصد الألفاظ المعرّاة عن المعاني ، ويتلفظ بها تخلّصا من وعيد المكره. فقوله في مقام الإنشاء : «بعت» ليس معناه «ملّكتك كذا بكذا» بل هو مجرّد لفظ تلفّظ به دفعا للمفسدة المتوعد بها.
هذا ما لعلّه يظهر من كلامهما بالنظر البدوي ، ويترتب عليه عدم قابلية عقد المكره للصحّة بالرضا اللاحق ، إذ لا عقد حقيقة ، لعدم كون المدلول مرادا بالإرادة الجدّية حتى يتعقبه الرضا. وهذا ينافي التزامهم بصحته به.
ولذا تصدّى المصنف لتوجيه عبارة الشهيدين بأنّ المتكلم إن كان جاهلا بمعنى كلامه ـ كالطفل الذي يلقّنه أبوه ألفاظا في مقام التعليم فينطق بها وكالكبير الذي يتعلّم لغة أخرى فيتمرّن بتكرار ألفاظ تقليدا لمعلّمه ـ فلا ريب في أنّ مثلهما قاصد لنفس الألفاظ بأدائها بوجه غير ملحون ، ولا قصد للمعنى أصلا ، لفرض الجهل به ، فهو نظير التلفظ بلفظ مهمل فاقد للمعنى ك «ديز» مثلا.
وإن كان عالما بمعنى الكلام ـ كما هو شأن أهل كل لسان ولغة ، وكان لفظه مستعملا لا مهملا ـ استحال عدم قصد مدلوله وعدم إرادته الاستعمالية ، وذلك لعدم انفكاك المدلول عن الدالّ. ولمّا كان محلّ الكلام هو المكره الملتفت إلى ما يقوله في مقام الإنشاء فلا بدّ من قصده للمدلول التصوّري.
وعليه فمراد الشهيدين عدم كون الداعي إلى الإنشاء حصول المضمون في وعاء الاعتبار ـ بحكم العرف والشرع ـ ليترتّب عليه الأثر ، بل غرض المنشئ
__________________
(١) الدروس الشرعية ، ج ٣ ، ص ١٩٢ ، مسالك الافهام ، ج ٣ ، ص ١٩٦ ، الروضة البهية ، ج ٣ ، ص ٢٢٦ و ٢٢٧.