ناشئة عن دفع الضرر. وليس (١) دفع مطلق الضرر الحاصل من إيعاد شخص
______________________________________________________
أو جلّها تصدر لدفع الضرر عن النفس أو عمّن يتعلّق بها ، كبذل المال للطعام والشراب دفعا لضرر الجوع والعطش ، وشراء الأدوية لعلاج المرض ، وكذا الحال في شراء الألبسة للاتّقاء من الحرّ والبرد ، وشراء الدار للسكنى فيها ، ومن المعلوم خروج هذه الموارد أيضا عن حدّ الإكراه موضوعا.
(١) غرضه من هذه العبارة التنبيه على ما تقدم آنفا من اعتبار الإتيان بنفس ما اكره عليه ، فلو أتى بمقدمته لم يتحقق الإكراه الموضوع للأحكام. كما إذا أكرهه الظالم على دفع مال إليه ، ولم يقدر على دفعه إليه إلّا ببيع داره ودفع ثمنها إليه ، فإنّ بيع الدار صحيح ، لعدم ورود الإكراه عليه ، بل الإكراه ورد على دفع المال. فهذا الإكراه لم يسقط المكره عن الاستقلال في التصرف ، بل له التصرف البيعي وعدمه.
والحاصل : أنّ الإكراه لا بد أن يتعلّق بنفس بيع الدار حتى يكون بيع المكره صادقا عليه. وحينئذ يختار الفعل من باب حكم العقل بوجوب دفع الضرر عن نفسه أو عرضه أو ماله ، أو عن غيره المتعلق به ، بحيث يعدّ ضرره ضررا عليه ، ففعل المكره لا يخرج بالإكراه عن أفعاله الاختيارية. لكنه يصدر عنه بغير طيب نفسه ، لأنّ النفس كارهة لفعل ما يحمّله غيره عليه ، مع الإيعاد على تركه بضرر يشقّ عليه تحمله.
وهذا بخلاف ما يفعله لدفع الضرر ، لكنه مع الاستقلال في فعله ، كبيع ماله لدفع الجوع ، أو لأداء دينه ، أو لدفع ظلم الجائر الذي يريد أن يأخذ منه مالا بدون أن يجبره على بيع داره ، فإنّه يختار البيع دفعا للضرر الجوعي مثلا ، ويطيب نفسه بذلك. بخلاف ما إذا أنشأ البيع عن إيعاد الظالم على تركه ، فإنّه لا يطيب نفسه بحمل الغير إياه على البيع. وإن كان اختياره له لأجل دفع الضرر ، لكنّه مقرون بإيعاد الغير.
وبالجملة : فالبيع مثلا إن كان لدفع الضرر الناشئ عن إيعاد الغير كان صحيحا ، وهو المسمّى بالمضطرّ إليه. وإن كان لدفع ضرر المكره ، لم يكن صحيحا ، وهذا هو المسمّى بالمكره عليه. فاتّضح الفرق بين الإكراه والاضطرار.