.................................................................................................
__________________
وأمّا جريان التورية في الأفعال فهو كما إذا أكرهه الجائر على شرب الخمر ، فأخذها المكره وأهرقها في جيبه ، فزعم الجائر أنّه شربها. وكما إذا أمر الظالم أحد عمّاله بضرب مظلوم في الليل المظلم ، فيورّي المأمور في فعله بأن يضرب سوطه على الجدار ، ويأمر المظلوم بالنياحة والبكاء ليعتقد الظالم بأنه ضربه. إلى غير ذلك من الأمثلة.
إذا عرفت حقيقة التورية وجريانها في الأقوال والأفعال فاعلم أنّ المصنف قدسسره فصّل بين المعاملات وغيرها حيث إنّه اعتبر العجز عن التفصي في حقيقة الإكراه في الثاني دون الأوّل.
وملخص ما أفاده هو : أنّ المناط في الإكراه الرافع لأثر المعاملات إنما هو عدم طيب النفس بمفاد المعاملة ، ومن المعلوم أنّ هذا يتحقق فيما إذا أكره على معاملة ، وهو في مكان يكره الخروج منه ، ولكن لو خرج كان له في الخارج أحبّاء يكفّون عنه شرّ الظالم المكره ، فلو باع والحال هذه في ذلك المكان كان البيع باطلا ، لفقدان طيب النفس فيه ، فالإكراه حينئذ موجود.
ولو فرض في هذا المثال إكراهه على محرّم كشرب الخمر والكذب والزنا وأمثالها لا يتحقق الإكراه الرافع للحرمة ، ولا يعذر في ارتكاب الحرام. فالإكراه المسوّغ للحرمة بمعنى الجبر المذكور في خبر ابن سنان المتقدم الذي فرّق بين الجبر والإكراه ، بأن جعل الأوّل من السلطان ، والثاني من الزوجة والأب والأم الذي ليس بشيء ، ولا يترتب عليه أثر من ارتفاع الحرمة.
وبالجملة : فالإكراه في المعاملة بمعنى عدم طيب النفس وإن لم يتوجّه على ترك المكره عليه ضرر ، كما في إكراه الأب والأمّ والزوجة. فالإكراه في المعاملات أعم من الإكراه المسوّغ للمحرّمات. فأكراه الأبوين والزوجة رافع لأثر المعاملة ، وليس رافعا للحرمة التكليفية.
والموجب للتفكيك بين الإكراه المسوّغ للمحرّمات والإكراه الرافع لصحة