بناء على رعاية مصالحهم بحسب الوقت ، والزّمان ، كسائر التّصرّفات الإلهيّة فى العالم : من تكوير (١) الليل والنّهار ، وتغيير الفصول والأيّام ، بالبرد والحرّ ، والاعتدال ، وتبديل أحوال العباد بالإغناء ، والإفقار ، والإصحاح ، والإعلال ، وغير ذلك : من أنواع التصرّفات المختلفة الّتى فى كلّ فرد من أفرادها حكمة بالغة ، وإذا كان تصرّفه تعالى فى ملكه وملكه يقتضى (٢) الحكمة ، ولا اعتراض لمخلوق ، فكذلك الأمر فى الشرائع والفرائض : تارة يأمر ، وتارة ينهى ، ويكلّف قوما بشرع ثقيل ، كبنى إسرائيل ، وآخرين بشرع خفيف كالأمّة المحمّدية. وهو فى كلّ هذه التصرّفات مقدّس الجناب منزّه الحضرة عن لائمة المعترضين ، وسؤال المتعرّضين. ولما كان محمّد خاتم الرّسل ، والقرآن خاتم الكتب ، وشرع القرآن خاتم الشرائع ، نسخ فى عهده بعض القرآن ببعض ، لما عند الله من الحكمة البالغة فى ذلك ، ولما يتضمّن من رعاية ما هو أصلح للعباد ، وأنفع للمعاد. وأيضا كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم ينسخ بعض شرعه ببعض بواسطة الوحى السّماوى ، والسّنّة (٣) تقضى على القرآن والقرآن لا يقضى على السنّة. وأمّا بعد ما استأثر الله به (صلىاللهعليهوسلم) فقد صار القرآن والسنة محروسين من النّسخ ، والتغيير ، بدليل قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ (٤) نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ).
__________________
(١) تكوير الليل والنهار : الزيادة فى احدهما بالنقصان من الآخر ، وفى هذا تغيير مستمر.
(٢) كذا ، والأسوغ : «بمقتضى»
(٣) هذا يرويه الأوزاعى عن يحيى بن أبى كثير ، على أن أحمد بن حنبل سئل عن هذا ، فقال : ما أجسر على هذا أن أقوله ، ولكنى أقول : أن السنة تفسر الكتاب وتبينه. وانظر تفسير القرطبى ١ / ٣٩
(٤) الآية ٩ سورة الحجر