وأمّا حد النسخ (من حيث المعنى) فهو رفع حكم ثابت من قولهم : نسخت الرّياح الأثر إذا درسته. وقيل «النسخ» قصر حكم (١) على لفظ يختصّ بأهل زمان خاصّ ؛ كما أنّ التخصيص قصر حكم لفظ على بعض الأشخاص. وقيل «النّسخ» التّحويل ، والأجود أن يقال «النسخ» بيان نهاية تعبّد بأمر ، أو نهى مجدّد. فى حكم خاصّ ، بنقله إلى حكم آخر.
وللنّاسخ والمنسوخ خمسة شروط : أحدها أن يكون كلّ منهما شرعيّا. الثّانى أن يكون النّاسخ متأخّرا عن المنسوخ. الثالث أن يكون الأمر بالمنسوخ مطلقا غير مقيّد بغاية. والرّابع أن يكون النّاسخ كالمنسوخ فى إيجاب العلم والعمل. الخامس أن يكون النّاسخ والمنسوخ منصوصين بدليل خطاب (أو بمفهوم (٢) خطاب).
وأمّا حقيقة النسخ لغة فقد جاء بمعنيين :
أحدهما النقل ، كما يقال للكتابة نسخ. قال تعالى : (إِنَّا كُنَّا (٣) نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وعلى هذا يكون جميع القرآن منسوخا ، بمعنى أنه مكتوب نقل من اللّوح المحفوظ إلى صحف مرفوعة مطهّرة ، بأيدى سفرة كرام بررة ، ولمّا نزل من السّماء بواسطة الوحى كتبه الصّحابة ، ونسخوه فى صحفهم ، ثمّ لم يزل ينسخ ، وينقل إلى يوم القيامة.
__________________
(١) ب : الحكم.
(٢) سقط ما بين القوسين فى ب ودليل الخطاب مفهوم المخالفة كما فى دلالة قولك ، أكرم العالم على عدم اكرام الجاهد. فهل يريد من مفهوم الخطاب مفهوم الموافقة وانظر الاسنوى على المنهاج بكتابة الشيخ بخيت ٢ / ٢٠٥. والظاهر أنه يريد بدليل الخطاب دلالة المنطوق ، وبمفهوم الخطاب دلالة المفهوم.
(٣) الآية ٢٩ سورة الجاثية.