والقول الثانى أن يكون لغة بمعنى الرفع والإزالة. يقال : نسخت الشّمس الظلّ إذا أبطلته ، ونسخت الريح الأثر إذا أذهبته (١). وعلى هذا قيل لرفع حكم بحكم آخر : نسخ ، لأنه إبطال حكم ، وإثبات حكم مكانه ، كالشّمس مكان الظّل.
وأمّا الحكمة فى (٢) النسخ فذكروا فيها وجوها.
أوّلها وأجلّها إظهار الرّبوبيّة ، فإنّ بالنّسخ يتحقّق أن التّصرّف فى الأعيان إنّما هو له تعالى : يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد.
الثّانى بيان لكمال العبوديّة ، كأنّه منتظر لإشارة السيّد ، كيفما وردت وبأىّ وجه صدرت. وإنّما يظهر طاعة العبيد بكمال الخضوع ، والانقياد.
والثالث امتحان الحرّيّة ، ليمتاز من المتمرّد من المنقاد ، وأهل الطّاعة من أهل العناد فالدار دار الامتحان ، والذهب يجرّب بالذوبان ، والعبد الصّالح بالابتلاء والهوان.
الرّابع إظهار آثار كلفة الطّاعة ، على قدر الطّاقة ، (لا يُكَلِّفُ (٣) اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).
الخامس التيسير ، ورفع المشقّة عن العباد ، برعاية المصالح (ما يُرِيدُ (٤) اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ).
السادس نقل الضعفاء من درجة العسر إلى درجة اليسر (يُرِيدُ (٥) اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
__________________
(١) أ : «هبته»
(٢) ب : «من»
(٣) الآية ٢٨٦ سورة البقرة
(٤) الآية ٦ سورة المائدة
(٥) الآية ١٨٥ سورة البقرة