وأمّا أنّ النسخ فيما ذا يجوز فالصّحيح أنّ النسخ يتعلق بالأمر والنّهى فقط. وأمّا الأخبار فمصونة عن النسخ ، لأنّ المخبر الصادق يصير بنسخ خبره كاذبا. وقيل : النّسخ فى الأمر ، والنّهى ، وفى كل حبر يكون بمعنى الأمر والنّهى. فالنّهى مثل قوله تعالى : (الزَّانِي (١) لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً). والأمر مثل قوله : (تَزْرَعُونَ (٢) سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) أى ازرعوا. وشذّ قوم أجازوا النسخ فى الأخبار مطلقا.
وأمّا سبب نزول آية النّسخ فهو أنّ كفّار مكّة ويهود المدينة لمّا صرّحوا بتكذيب النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا : إنّ هذا الكلام مختلق ، لأنّه يأمر بأمر ، ثم ينهى عنه ، ويقرّر شرعا ، ثمّ يرجع عنه ، فما هو إلّا من تلقاء نفسه ، فنزلت (وَإِذا (٣) بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ووردت الإشارة إلى النسخ فى الآية الأخرى (ما نَنْسَخْ (٤) مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أى قادر على إنفاذ قضائه وقدره ، فيقدّم من أحكامه ما أراد ، ويؤخّر منها ما أراد ، ويثقّل الحكم على من شاء ، ويخفّفه عمّن شاء ، وإليه التّيسير والتعسير ، وبيده التقدير والتقرير ، ولا ينسب فى شىء إلى العجز والتقصير (٥) ، ولا مجال لأحد فى اعتراض وتغيير ، إنّه حكيم خبير ، وبيده التصريف والتدبير ، ألا له الخلق والأمر تبارك الله ربّ العالمين.
__________________
(١) الآية ٣ سورة النور.
(٢) الآية ٤٧ سورة يوسف.
(٣) الآية ١٠١ سورة النحل.
(٤) الآية ١٠٦ سورة البقرة.
(٥) أ : «التعسير».