على خراب. وقد ناهز (١) العشر التى تسميها العرب دقّاقة الرقاب. وقد مرّ على المسامع الشريفة ، غير مرّة فى صحيح البخارىّ قول سيدنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (إذا (٢) بلغ المرء ستّين سنة فقد أعذر الله إليه) فكيف من نيّف على السبعين ، وأشرف على الثمانين. ولا يجمل بالمؤمن أن تمضى عليه أربع سنين ولا يتجدّد له شوق وعزم إلى بيت ربّ العالمين ، وزيارة سيد المرسلين ، وقد ثبت فى الحديث النبوىّ ذلك. وأقلّ العبيد له ستّ سنين عن (٣) تلك المسالك. وقد غلب عليه الشوق ، حتى جلّ عمره (٤) عن الطوق. ومن أقصى أمنيّته أن يجدّد العهد بتلك المعاهد ، ويفوز مرة أخرى بتقبيل تلك المشاهد. وسؤاله من المراحم الحسنيّة (٥) الصدقة عليه بتجهيزه فى هذه الأيام ، مجرّدا عن الأهالى والأقوام ، قبل اشتداد الحرّ وغلبة الأوام ، فإن الفصل أطيب ، والريح أزيب (٦). ومن الممكن أن يفوز الإنسان بإقامة شهر فى كل حرم ، ويحظى بالتملّى من مهابط الرحمة والكرم. وأيضا كان من عادة الخلفاء سلفا وخلفا أنهم كانوا يبردون البريد عمدا قصدا لتبليغ سلامهم إلى حضرة سيد المرسلين
__________________
(١) أى قاربها وداناها .. والظاهر أنه يريد عشر التسعين ، كما يدل عليه كلامه. وفى حديث رواه الترمذى باسناد ضعيف ، كما فى الجامع الصغير : «أعمار أمتى ما بين الستين الى السبعين ، وأقلهم من يجوز ذلك».
(٢) لفظ الحديث فى كتاب الرقاق من البخارى : «أعذر الله الى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة» وكأن المجد نسى لفظ الحديث فرواه بالمعنى ، وقد سرى له اللفظ الذى أورده من ترجمة الباب : «باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله اليه فى العمر».
(٣) أى نائيا فيها عن تلك المسالك.
(٤) أصل المثل : كبر عمرو عن الطوق. وأصل مضربه لما فات أوانه. والمراد هنا بلوغ شوقه غايته.
(٥) نسبة الى الحسنة يريد بها الاحسان.
(٦) الأزيب : ريح الجنوب. وكأنها محبوبة عندهم.