ولا الطّين تفارقين ولا العذوبة تمنعين) فقال الصّدّيق رضى الله عنه : والله إنّ هذا الكلام لم يخرج من إلّ (١). ويحكى عن بعض الأشقياء أنه سمع قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ (٢) إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) فقال مستهزئا : انظر إلى (هذا الدّعوى (٣) المعرّى) عن المعنى (٤). الّذى يدّعيه محمّد يأتينا به المعول (٥) والفئوس. فانشقت فى الحال حدقتاه ، وتضمخت (٦) بدم عينيه خدّاه ، ونودى من أعلاه ، قل للمعول والفئوس ، يأتيان (٧) بماء عينيك.
وذكر أنّ بعض البلغاء قصد معارضة القرآن ، وكان ينظر فى سورة هود ، إلى أن وصل إلى قوله تعالى : (يا أَرْضُ (٨) ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) الآية فانشقّت مرارته من هيبة هذا الخطاب ، ومات من حينه. ودخل الوليد بن عقبة (٩) على النبىّ صلىاللهعليهوسلم وقال يا محمد اقرأ علىّ شيئا ممّا أنزل عليك فقرأ قوله تعالى : (إِنَ (١٠) اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) الآية فقال الوليد : إنّ لهذا الكلام لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنّ أسفله لمغدق ، وإنّ أعلاه لمثمر ،
__________________
(١) الال يطلق على الله سبحانه أى لم يأت من قبل الله ، ويعبر عن هذا ابن الاثير فى النهاية بقوله : أى لم يخرج من ربوبية. ويقول ابن الأثير أيضا : «وقيل : الال هو الأصل الجيد أى لم يجىء من الأصل الذى جاء منه القرآن ، وقيل : الال : النسب والقرابة ، فيكون المعنى أن هذا كلام غير صادر عن مناسبة الحق
(٢) الآية ٣٠ سورة الملك
(٣) كذا. والدعوى مؤنثة فالواجب : «هذه الدعوى المعراة» فاما أن يذهب بالدعوى مذهب الادعاء ، وهو مذكر ، أو أنه حكى القول كما صدر من بعض الأشقياء
(٤) أ : «المعين»
(٥) أ : «المعين» وهو اسم فاعل من أعان
(٦) ب : «تصرحت» وهو محرف عن «تضرجت»
(٧) كذا ، ولو أريد أن يكون جوابا للأمر لقال : يأتيا. وكل صحيح.
(٨) الآية ٤٤ سورة هود
(٩) كذا. والصواب : «المغيرة» فان الوليد بن عقبة صحابى متأخر. وانظر تفسير القرطبى ١٠ / ١٦٥
(١٠) الآية ٩٠ سورة النحل