والمفروض أنها على هذا التفسير حالها حال حكم العقل ، فهي غير صالحة للمانعيّة ، فإن موضوعها يرتفع عند جريانها ، كحكم العقل.
فالنتيجة : إنه يتعيّن الاحتمال الأخير ، وهو كون وجوب التعلّم وجوباً طريقيّاً ، ويترتّب عليه تنجيز الواقع عند الإصابة ، لأنه أثر الوجوب الطريقي ، كما هو شأن وجوب الاحتياط ووجوب العمل بالأمارات ، وما شاكل ذلك ، وعليه ، فتكون هذه الأدلّة مانعةً عن جريان البراءة فيها قبل الفحص ، وتوجب تقييد إطلاق أدلّتها بما بعده.
وحاصل هذا الإشكال : إنه إذا لم يكن وجوب التعلّم شرعيّاً ، والأوامر تحمل على الإرشاد إلى حكم العقل ، فلازمه إمكان جريان البراءة الشرعيّة في موارد احتمال الابتلاء بالحكم ، لأنه إذا كان الأمر إرشاديّاً كان وزانه وزان حكم العقل ، وحكم العقل يزول مع ترخيص الشارع ، وأدلّة البراءة الشرعيّة مرخّصة ، فالأخبار الواردة في التعلّم كذلك لا تدلّ على الوجوب ، لحديث الرفع ونحوه من أدلّة البراءة.
قال شيخنا :
إن هذا الإشكال لا يجتمع مع القول بقصور أدلّة البراءة الشرعيّة اقتضاءً ، ومن قال بكونها غير مطلقة ـ لأنها محفوفة بالقرائن العقليّة ، فلا تشمل موارد الشبهة الحكميّة قبل الفحص ـ فلا يمكنه إيراد هذا الإشكال.
إن هذا الإشكال لا يجتمع مع القول في شرائط جريان الاصول : «وأمّا الاصول النقليّة فأدلّتها وإنْ كانت مطلقة في نفسها ، إلاّ أنها مقيَّدة بما بعد الفحص ، بالقرينة العقليّة المتّصلة والنقلية المنفصلة» (١).
__________________
(١) مصباح الاصول ٢ / ٤٩٤.