إذن ، فقد وقع الجمع في (المحاضرات) بين المتهافتين ... وبناءً على كون أدلّة الاصول مقيَّدةً ـ كما ذكر ـ يتمّ القول بالوجوب الإرشادي ، لوجود المقتضي وعدم المانع.
لكنّه اختار الوجوب الطريقي ، وهو لا يمكنه الالتزام به ، لأن مبناه في الوجوب الطريقي أنه يعتبر فيه أن لا يكون قبله احتمال العقاب ، بل الوجوب هو المنجّز للواقع ، وعلى هذا ، فلا يمكن الالتزام بالوجوب الطريقي ، لوجود احتمال العقاب بالعقل ... وقد صرَّح بالمبنى المذكور في أوائل مباحث البراءة ، عند دفع شبهة وجوب دفع الضرر المحتمل ، حيث قال : «وبعبارة اخرى : إن احتمل العقاب مع قطع النظر عن وجوب دفع الضرر المحتمل ، فجعل وجوب دفع الضرر المحتمل لغو ، إذ الأثر المترتّب عليه هو احتمال العقاب المتحقق مع قطع النظر عنه على الفرض ... فتعيّن أن يكون وجوب دفع الضرر المحتمل إرشاديّاً ... والفرق بينه وبين الوجوب الطريقي : إن الوجوب الطريقي هو المنشأ لاحتمال العقاب ، ولولاه لما كان العقاب محتملاً ، على ما تقدّم بيانه ، بخلاف الوجوب الإرشادي ، فإنه في رتبة لاحقة عن احتمال العقاب ...» (١).
فظهر أنه قد جمع بين المتهافتين ، بل على هذا المبنى يتعيّن القول بالوجوب الإرشادي لا الطريقي.
فالحق : هو الوجوب الإرشادي ، إلاّ إذا قلنا بإمكان جعل المنجّزين فيصحّ الطريقي.
تمّ الجزء الثاني ، ويليه الجزء الثالث بعون الله.
__________________
(١) مصباح الاصول ٢ / ٢٨٦.