أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)(٥٣)
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) الآية.
قوله : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أي : وحدوه ، ويجوز في «أن» أن تكون مفسرة (١) وأن تكون مصدرية ، أي بأن اعبدوا فيجيء في محلها القولان (٢).
قوله : (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ) تقدم الكلام في «إذا» الفجائية (٣) ، والمراد بالفريقين قوم صالح ، وأنهم انقسموا فريقين : مؤمن وكافر ، وقد صرح بذلك في الأعراف في قوله : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ) [الأعراف : ٧٥]. وجعل الزمخشري الفريق الواحد (٤) صالحا وحده والآخر جميع قومه (٥) ؛ وحمله على ذلك العطف بالفاء ، فإنه يؤذن أنه بمجرد إرساله صاروا فريقين ، ولا يصير قومه فريقين إلا بعد زمان ولو قليلا.
و «يختصمون» صفة ل «فريقان» على المعنى ، كقوله : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) [الحج : ١٩] و (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا)(٦) [الحجرات : ٩] واختير هنا مراعاة الجمع ، لكونها فاصلة (٧).
قوله : (يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ) أي : قال لهم صالح يا قوم لم تستعجلون بالسيئة بالبلاء والعقوبة ، أي أن الله قد مكنكم من التوصّل إلى رحمته وثوابه فلماذا تعدلون عنه إلى استعجال عذابه ، وقيل : إنّهم كانوا يقولون إن العقوبة التي يعدّها صالح ـ إن وقعت على زعمه ـ تبنا حينئذ واستغفرنا فحينئذ يقبل الله توبتنا ، ويدفع العذاب عنا ، فخاطبهم صالح على حسب اعتقادهم ، فقال : هلّا تستغفرون الله قبل نزول العذاب ، فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر ، ووصف العذاب بأنّه سيئة مجازا ، إمّا لأنّ العقاب من
__________________
(١) لأن «أرسلنا» تتضمن معنى القول.
(٢) فهي على القول الأول لا محل لها من الإعراب ، وعلى القول الثاني ففي موضعها خلاف أهي في موضع نصب على نزع الخافض ، أم في موضع جر. انظر البحر المحيط ٧ / ٨٢.
(٣) عند قوله تعالى : ...«فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ» [الأنعام : ٤٤].
(٤) في ب : الواحد الفريق.
(٥) وعبارته : (وقيل : أريد بالفريقين صالح عليهالسلام وقومه قبل أن يؤمن منهم أحد) الكشاف ٣ / ١٤٥ ، وهو قول حكاه الزمخشري وليس له.
(٦) وإنما كانت الصفة على المعنى في هاتين الآيتين لأن مقتضى الظاهر في الأول أن يكون الخبر (اختصما) وفي الثانية (اقتتلتا) ، ولكن لما كان المثنى في الآيتين يفهم معنى الجمع ساغ ذلك. انظر البيان ٢ / ٢٢٣ ، التبيان ٢ / ١٠١٠.
(٧) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٢.