تحدث له صفات كمال لم تكن ، أو يزول عنه نقصان كان ، وإذا كان كذلك لم يكن عفوه إلا رعاية لجانب المعفو عنه.
فقوله : (يَغْفِرَ لِي) معناه : أن غفرانه لي ولأجلي ، لا لأجل أمر عائد إليه ألبتة (١).
وثانيها : كأنه قال : خلقتني لا لي ، فإنك حين خلقتني لم أكن موجودا ، فإذا عفوت كان ذلك العفو لأجلي (٢) ، فلما خلقتني أولا مع أني ما كنت (٣) محتاجا إلى ذلك الخلق ، فلأن تغفر لي وتعفو عني حال ما أكون في أشد (٤) الحاجة إلى العفو والمغفرة كان أولى.
وثالثها : أن إبراهيم ـ عليهالسلام (٥) ـ كان مع شدة استغراقه في المعرفة شديد الفرار عن الوسائط ، ولذلك (٦) لما قال له جبريل : «ألك حاجة؟» قال : «أما إليك فلا» فهاهنا قال: (أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي) أي : بمجرد عبوديتي واحتياجي إليك تغفر لي خطيئتي ، لا أن تغفرها بواسطة شفاعة شافع (٧). فإن قيل (٨) : لم علق غفران الخطيئة بيوم الدين وإنما تغفر في الدنيا؟
فالجواب : لأن أثرها يظهر يوم الدين ، وهو الآن خفي لا يعلم (٩).
قوله تعالى : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٨٩)
قوله تعالى (١٠) : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ). لما حكى عن إبراهيم ـ عليهالسلام (١١) ـ ثناءه على الله ـ تعالى ـ ذكر (١٢) بعد ذلك دعاءه ومسألته ، وذلك تنبيه على أن تقديم الثناء على الدعاء من المهمات (١٣). فإن قيل : لم لم يقتصر إبراهيم على الثناء ولا سيما يروى عنه أنه قال : حسبي من سؤالي علمه بحالي؟
فالجواب : أنه عليهالسلام (١٤) إنما ذكر ذلك حين اشتغاله بدعوة الخلق إلى الحق ، لأنه قال : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٧٧] ثم ذكر الثناء ، ثم ذكر الدعاء ، لأن (١٥) الشارع لا بد له من تعليم الشرع ، فأما حين (ما) (١٦) خلا بنفسه ولم يكن غرضه
__________________
(١) في ب : البتة إليه.
(٢) في ب : لأجل.
(٣) في الفخر الرازي : مع أني كنت.
(٤) في ب : شدة.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) في ب : وكذلك. وهو تحريف.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٤٦.
(٨) في الأصل : علق. وهو تحريف.
(٩) انظر الكشاف ٣ / ١١٨ ، والفخر الرازي ٢٤ / ١٤٦.
(١٠) تعالى : سقط من ب.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٢) في ب : ذكره.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٤٧.
(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٥) في النسختين : لما أن. والتصويب من الفخر الرازي.
(١٦) ما : تكملة من الفخر الرازي.