وقد تقدم حكم «ما» إذا اتصلت ببئس مشبعا في البقرة (١).
فصل
لما بين حسن التكليف بقوله : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) بين أن من كلف بشيء ولم يأت به يعذب ، وإن لم يعذب في الحال فسيعذب في الاستقبال ، ولا يفوت الله شيء في الحال ولا في المآل.
فقوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) يعني الشرك «أن يسبقونا» أي يعجزونا ويفوتونا ، فلا نقدر على الانتقام منهم (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) بئس ما حكموا حين ظنوا ذلك.
قوله : (مَنْ كانَ يَرْجُوا) يجوز أن تكون من شرطية ، وأن تكون موصولة ودخلت الفاء لشبهها بالشرطية.
فإن قيل : المعلق بالشرط عدم عند عدم الشرط ، فمن لا يرجو لقاء الله لا يكون أجل الله آتيا له ، وهذا باطل ، لأن أجل الله آت لا محالة من غير تقييد بشرط؟
فالجواب : أن قوله : (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) ليس بجواب ، بل الجواب محذوف ، أي فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا كما قد صرح به.
وقال ابن الخطيب : المراد من ذكر إتيان الأجل وعد المطيع بما يعده من الثواب أي من كان يرجو لقاء الله فإن أجره لآت بثواب الله ، أي يثاب على طاعته ، ومن لا يرجو لقاء الله آتيا له على وجه الثواب.
فصل
قال ابن عباس ومقاتل : من كان يخشى البعث والحساب (٢). والرجاء بمعنى الخوف. وقال سعيد بن جبير (٣) : من كان يطمع في ثواب الله فإن أجل الله يعني ما وعد الله من الثواب والعقاب.
__________________
(١) يشير إلى الآية ٩٠ من البقرة وهي قوله : «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ» وقد بين هناك أن «ما» إما أن تكون في موضع رفع فاعل بئس ، وعليه فيجوز أن تكون اسما تامّا معرفة ويكون الفعل وصفا لموصوف محذوف هو المخصوص أو تكون موصولة ، والفعل بعدها صلة لها ، والمخصوص محذوف ، أو يكتفى بها عن المخصوص وأن تكون مصدرية أو نكرة موصوفة والمخصوص محذوف.
والوجه الثاني : أن تكون «ما» كافة كما في طال ، وكثر وغير ذلك. والوجه الثالث : أن تكون تمييزا فموضعها نصب وعليه فهي إما أن تكون نكرة موصوفة بالفعل بعدها أو نكرة ثابتة ، وانظر : اللباب بتصرف ٣٠١ ب.
(٢) في «ب» والعقاب.
(٣) مولى بني والبة بن الحارث من بني أسد ، كان فقيها ورعا ، قرأ القرآن على ابن عباس ، وقرأ عليه أبو عمرو ، والمنهال بن عمرو ، مات سنة ١٧٥ ه مقتولا ، وانظر : طبقات المفسرين للداودي دار الكتب العلمية ط ١ / ١٤٠٣ ه / ١٩٨٣ م.