وخصصت هذه السّورة بالخطاب لقوله : (إِذا (١) فَرِيقٌ مِنْكُمْ) وألحق ما فى الروم به. وأمّا [ما] فى العنكبوت فعلى القياس ، عطف على اللام قبله. وهى للغائب.
قوله : (وَلَوْ يُؤاخِذُ (٢) اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ) وفى الملائكة : (بِما كَسَبُوا (٣) ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) الهاء فى هذه السورة كناية عن الأرض ، ولم يتقدّم ذكرها. والعرب تجوّز ذلك فى كلمات منها الأرض ، تقول : فلان أفضل من عليها ، ومنها السماء ، تقول : فلان أكرم من تحتها ، ومنها الغداة (تقول) : إنها اليوم لباردة. ومنها الأصابع تقول : والذى شقّهن خمسا من واحدة ، يعنى الأصابع من اليد. وإنما جوّزوا ذلك لحصولها بين يدى متكلم وسامع. ولمّا كان كناية عن غير مذكور لم يزد معه الظهر لئلا يلتبس بالدّابة ؛ لأن الظهر أكثر ما يستعمل فى الدّابة ؛ قال صلىاللهعليهوسلم : (المنبت (٤) لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى) وأما فى الملائكة فقد تقدّم ذكر الأرض فى قوله : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) وبعدها : (وَلا فِي الْأَرْضِ) فكان كناية عن مذكور سابق ، فذكر الظهر حيث لا يلتبس. قال الخطيب (٥) : إنما قال فى النحل : (بِظُلْمِهِمْ) ولم يقل (عَلى ظَهْرِها) احترازا عن الجمع بين الظاءين ؛ لأنها تثقل فى الكلام ، وليست لأمّة من الأمم سوى العرب. قال : ولم يجئ فى هذه السّورة إلا فى سبعة أحرف ؛ نحو
__________________
(١) الآية ٦١.
(٢) الآية ٦١.
(٣) الآية ٤٥.
(٤) الحديث بتمامه : «أن هذا الدين متين فاوغل فيه برفق فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» وفى الجامع الصغير : «رواه البزار عن جابر» وفى شرحه : «باسناد ضعيف» وهو فى أمثال الميدانى فى أوائل حرف الألف.
(٥) انظر درة التنزيل ٢١٦.