ونشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له ، يعلم ما تخفي النفوس ، وما تجن البحار (١) وما توارى منه ظلمة ، ولا تغيب عنه غائبة ، وما تسقط من ورقة من شجرة ولا حبة في ظلمات إلا يعلمها ، لا إله إلا هو ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ، ويعلم ما يعمل العاملون وأي مجرى يجرون ، وإلى أي منقلب ينقلبون ، ونستهدي الله بالهدى ، ونشهد أن محمدا عبده ونبيه ورسوله إلى خلقه ، وأمينه على وحيه ، وأنه قد بلغ رسالات ربه ، وجاهد في الله الحائدين عنه ، العادلين به (٢) وعبد الله حتى أتاه اليقين صلىاللهعليهوآله.
أوصيكم [ عباد الله ] بتقوى الله الذي لا تبرح منه نعمة ولا تنفد منه رحمة (٣) ولا يستغني العباد عنه ، ولا يجزي أنعمه الأعمال ، الذي رغب في التقوى ، وزهد في الدنيا ، وحذر المعاصي ، وتعزز بالبقاء ، وذلل خلقه بالموت والفناء ، والموت غاية المخلوقين ، وسبيل العالمين ، ومعقود بنواصي الباقين ، لا يعجزه إباق الهاربين ، وعند حلوله (٤) يأسر أهل الهوى ، يهدم كل لذة ، ويزيل كل نعمة ، ويقطع كل بهجة ، والدنيا دار كتب الله لها الفناء ، ولأهلها منها الجلاء ، فأكثرهم ينوي بقاءها ويعظم بناءها ، وهي حلوة خضرة ، وقد عجلت للطالب ، والتبست بقلب الناظر (٥) ويضن ذو الثروة الضعيف ، ويجتويها الخائف الوجل (٦) فارتحلوا منها يرحمكم الله بأحسن
__________________
(١) جن يجن أي ستر وأجنه يجنه أي ستره وأخفاه. والميت كفنه ودفنه.
(٢) الحيد : الميل ، وحاد عن الشئ يحيد حيدا : مال عنه وعدل. والعادلين به أي الذين يعدلون به تعالى غيره أي يساوونه ويشاركونه. ( سلطان )
(٣) « لا تربح » أي لا تزول. و « لا تنفد » أي لا تنقطع ولا تذهب.
(٤) أبق أباقا أي هرب. والضمير في حلوله راجع إلى الموت.
(٥) « عجلت » أي صارت معجلة لمن طلبها نقدا. « والتبست بقلب الناظر » أي اختلطت به وتمكنت فيه. ويضن أي يبخل. وفى كثير من النسخ « ويضنى » من الضنى بمعنى المرض ولعله تصحيف.
(٦) « يجتويها » أي يكره المقام بها واجتوى البلد : كره المقام به ، فالخوف من الله سبحانه أو القيامة.