ما بحضرتكم (١) ولا تطلبوا منها أكثر من القليل ، ولا تسألوا منها فوق الكفاف ، وارضوا منها باليسير ، ولا تمدن أعينكم منها إلى ما متع المترفون به (٢) واستهينوا بها ، ولا توطنوها ، وأضروا بأنفسكم فيها (٣) وإياكم والتنعم والتهلى والفاكهات (٤) فإن في ذلك غفلة واغترار ، ألا إن الدنيا قد تنكرت وأدبرت واحلولت (٥) وآذنت بوداع ، ألا وإن الآخرة قد رحلت فأقبلت وأشرفت وآذنت باطلاع (٦) ألا وإن المضمار اليوم والسباق غدا ، ألا وإن السبقة الجنة والغاية النار (٧) ألا فلا تائب
__________________
(١) أي بالأعمال الصالحة أي كونوا بحيث إذا ارتحلتم يكون معكم أحسن الأعمال ، وقوله عليهالسلام « يرحمكم الله » جملة دعائية معترضة.
(٢) المترف ـ بفتح الراء ـ المتنعم الموسع في ملاذ الدنيا وشهواتها. ( الوافي )
(٣) في الصحاح : أضر بي فلان أي دنا منى دنوا شديدا فمعنى « أضروا بأنفسكم » ادنوا منها دنوا شديدا والتفتوا إليها التفاتا عظيما لئلا يصدر عنها ما كان فيه هلاككم. ( مراد )
(٤) الفكاهة ـ بالضم ـ : المزاح.
(٥) احلولت افعيعال من الحلول أي انقضت ، والايذان الاعلام والمراد سرعة تصرف الدنيا وتطرق النقص والفناء إلى متاعها. والوداع بالكسر أو بفتح الواو اسم من التوديع.
(٦) في الصحاح : رحلت البعير أرحله رحلا إذا شددت على ظهره الرحل ، وفيه رحل فلان وارتحل وترحل بمعنى ، والاسم الرحيل. ورحيل الآخرة استعارة من رحل الركب الذين يصلون عن قريب ( مراد ) والاطلاع الاشراف من مكان عال ، والمقبل إلى الانحدار أحرى بالوصول.
(٧) المضمار : مدة تضمير الفرس وموضعه أيضا وهو أن تعلفه حتى يسمن ثم ترده إلى القوت وذلك في أربعين يوما ، والسباق : المسابقة جمعا للسبقة بالضم أي الذي يسبق إليه كما توهم. والسبقة ـ بضم السين وسكون الموحدة ـ الخطر أي المال يوضع بين أهل السباق. وقوله « والغاية النار » أي منتهى سعى العصاة إليها.
وقال السيد الرضى ـ رحمهالله ـ في قوله عليهالسلام « ان السبقة الجنة والغاية النار » : خالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين ، ولم يقل : السبقة النار كما قال « السبقة
الجنة » لان
الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب وغرض مطلوب وهذه صفة الجنة وليس هذا المعنى