والريح (١)(إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) ، والمراد بقوله (أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) كثرة ما أوتي ، لأن كثرة المشاركة سبب لجواز الاستعارة ، فلا جرم يطلق لفظ الكل على الكثرة ، كقوله : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)(٢) [النمل : ٢٣] وقوله : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) ، أي : الزيادة الظاهرة على ما أعطي غيرنا ، روي أن سليمان أعطي ملك مشارق الأرض ومغاربها ، فملك سبعمائة (سنة) (٣) وستة أشهر ، ملك جميع أهل (٤) الدنيا من الجن والإنس والدواب والطير والسباع ، وأعطي على ذلك منطق كل شيء ، وفي زمانه صنعت الصنائع العجيبة (٥).
فقوله : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) تقرير لقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا) والمقصود منه : الشكر والمحمدة ، كما قال عليهالسلام (٦) : «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر» (٧).
فإن قيل : كيف قال (٨) «علّمنا» و «أوتينا» ، وهو كلام المتكبر؟ فالجواب من وجهين :
الأول : أن يريد نفسه وأباه.
والثاني : أن هذه النون يقال لها نون الواحد المطاع ، وكان ملكا مطاعا (٩).
قوله : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ) : وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير في مسير له ، فقوله : (مِنَ الْجِنِّ) وما بعده بيان ل «جنوده» فيتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون هذا الجار حالا(١٠) ، فيتعلق بمحذوف أيضا.
قوله : (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي : يمنعون ويكفّون ، والوزع : الكف والحبس ، يقال : وزعه يزعه فهو وازع وموزوع (١١) ، وقال عثمان ـ رضي الله عنه ـ : «ما يزع السّلطان (١٢) أكثر ممّا يزع القرآن» (١٣) ، وعنه : «لا بدّ للقاضي من وزعة» (١٤) وقال الشاعر :
٣٩٣٥ ـ ومن لم يزعه لبّه وحياؤه |
|
فليس له من شيب فوديه وازع (١٥) |
__________________
(١) المرجع السابق.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٨٦.
(٣) سنة : تكملة من البغوي.
(٤) أهل : سقط من ب.
(٥) انظر البغوي ٦ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦.
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) أخرجه الترمذي (تفسير) ٤ / ٣٧٠ ، أبو داود (سنة) ٥ / ٥٤ ، أحمد ١ / ٢٨١ ، ١٩٥ ، ٢٨٣ ، ١٤٤.
(٨) في ب : قد. وهو تحريف.
(٩) انظر الكشاف ٣ / ١٣٦ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٨٦.
(١٠) انظر التبيان ٢ / ١٠٠٦.
(١١) انظر اللسان (وزع).
(١٢) في النسختين : الشيطان. والصواب ما أثبته.
(١٣) انظر القرطبي ١٣ / ١٦٨ ، البحر المحيط ٦ / ٥١ ، وانظر مجمع الأمثال للميداني ٤ / ٥٢.
(١٤) أي : أعوان يكفونه عن التعدي والشر والفساد. وهذا القول ليس من كلام أمير المؤمنين عثمان بن عفان ، وإنما هو من كلام الحسن البصري ـ رضي الله عنه ـ لما ولي القضاء.
انظر غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام ٣ / ٢٢٨ ، وتفسير ابن عطية ١١ / ١٨٣ ، القرطبي ١٣ / ١٦٨ ، اللسان (وزع) البحر المحيط ٧ / ٥١.
(١٥) البيت من بحر الطويل ، ولم أهتد إلى قائله ، وهو في البحر المحيط ٧ / ٥١ ، والشاهد فيه قوله : (وازع) فإنه بمعنى الحابس والمانع.