وقوله : (أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ) بمعنى ألهمني (١) من هذا ، لأنّ تحقيقه : اجعلني من حيث أزع نفسي عن الكفر فقوله : (فَهُمْ يُوزَعُونَ) معناه : يحبسون ، وهذا لا يكون إلا إذا كان في كل قبيل منها وازع متسلط على من يرده ويكفه (٢). قال قتادة : كان كل صنف من جنوده وزعة ترد أولها على آخرها لئلا يتقدموا في المسير (٣) ، والوازع : الحابس والنقيب (٤) ، وقال مقاتل يوزعون يساقون (٥) ، وقال السدي : يوقفون (٦) ، وقيل يجمعون (٧).
قوله : (حَتَّى إِذا) في المغيّا (٨) ب «حتى» وجهان :
أحدهما : هو «يوزعون» ، لأنه مضمن معنى فهم يسيرون ممنوعا بعضهم من مفارقة بعض حتى إذا.
والثاني : أنه محذوف ، أي فساروا حتى (٩) وتقدم الكلام في حتى الداخلة على إذا ، هل هي حرف ابتداء أو حرف جر (١٠).
قوله : «على وادي» متعلق ب «أتوا» ، وإنما عدّي ب «على» ، لأنّ الواقع كذا ، لأنهم كانوا محمولين على الريح ، فهم مستعلون. وقيل : هو من قولهم : أتيت عليه ، أي استقصيته إلى آخره ، والمعنى أنهم قطعوا الوادي كله وبلغوا آخره (١١).
ووقف القراء كلهم على «واد» دون ياء اتباعا للرسم ، ولأنها محذوفة لفظا لالتقاء الساكنين في الوصل ، ولأنها قد حذفت حيث لم تحذف لالتقاء الساكنين (نحو (جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ)(١٢) [الفجر : ٩] فحذفها وقفا ، وقد عهد حذفها دون التقاء الساكنين) (١٣) ، فحذفها عند التقاء الساكنين أولى ، إلا الكسائي ، فإنه وقف بالياء ، قال : لأن الموجب للحذف إنما هو التقاء الساكنين بالوصل ، وقد زال ، فعادت اللام ، واعتذر عن مخالفة الرسم بقوة الأصل (١٤).
والنّمل : اسم جنس معروف واحده نملة ، ويقال : نملة ونمل بضم النون وسكون الميم ، ونملة ونمل بضمّهما (١٥) ، ونملة بالفتح ، والضم بوزن سمرة ، ونمل بوزن رجل ، واشتقاقه من : التّنمّل ، لكثرة حركته ، ومنه قيل للواشي : المنمّل ، يقال : أنمل بين القوم منمل ، أي : وشى ونمّ ؛ لكثرة تردده ، وحركته في ذلك (١٦) ، قال :
__________________
(١) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٨٩.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٨٧.
(٣) انظر البغوي ٦ / ٢٦٦.
(٤) انظر اللسان (وزع).
(٥) انظر البغوي ٦ / ٢٦٦.
(٦) المرجع السابق.
(٧) المرجع السابق.
(٨) أي : الذي جعل غاية.
(٩) انظر البحر المحيط ٧ / ٦٠.
(١٠) عند قوله تعالى : «حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ» [آل عمران : ١٥٢].
(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٣٧.
(١٢) من قوله تعالى : «وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ» [الفجر : ٩].
(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٤) انظر حجة القراءات لأبي زرعة (٥٢٣) ، الإتحاف (٣٣٥).
(١٥) في النسختين : بضمها.
(١٦) انظر اللسان (نمل).