يقدّر ضميرا عائدا على «السّبيل» ، التقدير : هو أن لا يسجدوا ، فتكون «لا» مزيدة ـ على ما تقدم ـ ليصح المعنى.
وعلى الأوجه الأربعة المتقدمة لا يجوز الوقف على «يهتدون» ، لأنّ ما بعده إمّا معمول له أو لما قبله من «زيّن» و «صدّ» ، أو (١) بدل مما قبله أيضا من «أعمالهم» أو من «السّبيل» على ما قرّر ، بخلاف الوجه الخامس ، فإنه (٢) مبنيّ على مبتدأ مضمر ، وإن كان ذلك الضمير مفسرا بما سبق قبله ، وقد كتبت «ألّا» موصولة غير مفصولة ، فلم تكتب «أن» منفصلة من «لا» ، فمن ثمّ : امتنع أن يوقف هؤلاء في الابتلاء والامتحان على «أن» وحدها ، لاتصالها بلا في الكتابة (٣) ، بل يوقف لهم على «ألّا» بجملتها ، كذا قال القرّاء والنحويون متى سئلوا (٤) عن مثل ذلك (٥) وقفوا لأجل البيان على كل كلمة على حدتها ، لضرورة البيان ، وكونها كتبت متصلة ب «لا» غير مانع من ذلك. ثمّ قول القرّاء : كتبت (٦) متصلة فيه تجوّز وتسامح ، لأنّ حقيقة هذا أن يثبتوا صورة نون ويصلونها بلا ، فيكتبونها «أنلا» ، ولكن لما أدغمت فيما بعدها لفظا ، وذهب لفظها إلى لفظ ما بعدها قالوا ذلك تسامحا. وقد رتّب أبو إسحاق على القراءتين حكما ، وهو وجوب سجود التلاوة وعدمه ، فأوجبه مع قراءة الكسائي ، وكأنه (٧) لأجل الأمر به ، ولم يوجبه في قراءة الباقين لعدم وجود الأمر فيها (٨) ، إلّا أنّ الزمخشري لم يرتضه منه (٩) ، فإنه قال : فإن قلت : أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا أو في واحدة منهما؟ قلت : هي واجبة فيهما (١٠) ، وإحدى القراءتين أمر بالسجود والأخرى ذم للتارك (١١) ، وما ذكره الزجاج من وجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد مرجوع (١٢) إليه.
قال شهاب الدين : وكأن الزجاج أخذ بظاهر الأمر ، وظاهره الوجوب وهذا لو خلينا
__________________
(١) أو : سقط من ب.
(٢) في ب : أنه.
(٣) في ب : الكفارة. وهو تحريف.
(٤) في ب : بيبسلوا. وهو تحريف.
(٥) انظر إبراز المعاني (٤٢٢ ـ ٤٢٣).
(٦) كتبت : سقط من ب.
(٧) في ب : كأنه.
(٨) قال الزجاج : (ومن قرأ بالتخفيف فهو موضع سجدة من القرآن ، ومن قرأ «ألا يسجدوا» ـ بالتشديد ـ فليس بموضع سجدة) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١١٥ ، وسبق إلى ذلك الفراء فإنه قال : (ومن قرأ «ألا يسجدوا» فشدد فلا ينبغي لها أن تكون سجدة ، لأن المعنى : زين لهم الشيطان ألا يسجدوا ، والله أعلم بذلك) معاني القرآن ٢ / ٢٩٠.
(٩) في ب : فيه.
(١٠) في الكشاف : فيهما جميعا ، لأن مواضع السجدة إما أمر بها ، أو مدح لمن أتى بها أو ذم لمن تركها.
(١١) الكشاف ٣ / ١٤٠ ، وبين هذه العبارة والعبارة التالية في الكشاف : وقد اتفق أبو حنيفة والشافعي رحمهماالله على أن سجدات القرآن أربع عشرة ، وإنما اختلف في سجدة (ص) فهي عند أبي حنيفة سجدة تلاوة وعند الشافعي سجدة شكر ، وفي سجدتي سورة الحج.
(١٢) الكشاف ٣ / ١٤٠.