الراحمين ، وقالت : الحرّ ينال الرحمة (١) ما بسمل. فانظر (٢) إلى البسملة قد لاحت لك بارقة من أنوارها وحلت لك عقدة من إزار أسرارها تخبر أن من وراء رجلها خيولا وليوثا ، ومن دون طلبها سيولا وغيوثا ، وأما بسملتك فلو كان على أصل ثابت ، أو لم تغرس من الكفر على أخبث المنابت ، لهززت إليك بجذعها ، واستدللت على طيب أصلها بخير فروعها ، لكنّي وجدتها شجرة خبيثة ، وثمرة لا تسوغها القديمة ولا الحديثة ، ألفاظها تصم الأسماع ومعانيها تحلّ عقود الإجماع ، والنظر فيها يصدىء الأفهام والعقول ، ويعلم كل غائب ما يقول ، ولذلك (٣) ضربت عن ذكرها صفحا ، وعددت الإعراض عنها غنيمة وربحا ، فكفرها قائم وقاعد ، والمعترف بها سواء والجاحد ، والثلاثة الآلهة فيها يوصفون بالواحد ، وأما بسملة المسلمين : فإنّ الله أودعها من العلوم والحكم ما فضلهم به على سائر الأمم ، وأعلم أنّ منها ألفات اختصرت ، وبين الهجاء مواضعها غابت أو حضرت ، وقد استعملت بعضها في بعض المواضع ؛ لأبين حكمها وأحيي رسمها ، وصرفتها للمسألتين ، وصارت كعبة فضلها للقبلتين ، وتارة توافق حروفها في العدد والعادة ، وتارة تقضي على ألفات الوصل بالزيادة ، وما أخطأت ـ بحمد الله ـ منها واحدة (٤) صوابا ، ولا عييت جوابا ولا خرجت عن حدها (٥) كتابة ولا حسابا ، ولا تحسبني استحسنت كلمتك الباردة (٦) ، فنسجت على منوالها ، وقابلت الواحدة منها بعشر أمثالها ، وما كان ذلك الهذيان مما يجاب ، لو لا ما يداخلك من التيه والإعجاب ، فتظن أنّك جئت بشيء عجاب ، أو حكمة كلمك الله بها وحيا أو من وراء حجاب ، وتقول لإخوانك الذين يمدّونك في الغيّ ويحسبون أنك (٧) على شيء : قد أفحمت بكلمتي المسلمين ، وأسكت بمسألتي فضلاء المتكلمين ، فتذر قومك في طغيانهم ، وتقرهم على فساد إيمانهم ، ولا أنت ممن يجري بمحاكاة كفرك قلمي (٨) ، ولا أحرّك به لساني ، ولا أفغر به فمي ، وقد أتيتك بما يتعبك فيبهتك ويسمعك ما يصمّك عن الإجابة ، ويصمتك على أسلوب رأيته في كتب أنبيائك ، وتفاسير علمائك تعلم به أنّ هذه البسملة مستقر لسائر العلوم والفنون ، ومستودع لجوهر سرّها المكنون ، ألا ترى أنّ البسملة إذا حصلت جملها (٩) كان عدده (١٠) سبعمائة وستة وثمانين ب ، س ، م ، ا ، ل ، ل ، ه ، ا ، ل ، ر ، ح ، م ، ن ، ا ، ل ، ر ، ح ، ي ، م ، ٢ ، ٦٠ ، ٤٠ ، ١ ، ٣٠ ، ٣٠ ، ٥ ، ١ ، ٣٠ ، ٢٠٠ ، ٨ ، ٤٠ ، ٥٠ ، ١ ، ٣٠ ، ٢٠٠ ، ٨ ، ١٠ ، ٤٠ ، وإذا قلت إنّ مثل عيسى كآدم (١١) وافق
__________________
(١) الرحمة : سقط من ب.
(٢) في ب : قوله فانظر.
(٣) في ب : كذلك.
(٤) في ب : واحدة منها.
(٥) في ب : عدها.
(٦) في ب : البارحة.
(٧) في ب : ويحسبونك.
(٨) في ب : قلبي.
(٩) في ب : جملتها.
(١٠) في ب : عددها.
(١١) في ب : لكآدم.