الثالث : ماء القنى والأنهار ، وهي متولدة من أبخرة ناقصة القوة عن أن تشق الأرض ، فإذا أزيل عن وجهها ثقل التراب صار حينئذ لتلك الأبخرة منفذا يندفع إليه بأدنى حركة.
الرابع : مياه الآبار ، وهي منبعثة كمياه الأنهار إلّا أنه لم يحصل لها ميل إلى موضع تسيل إليه. ونسبة القنى إلى الآبار نسبة العيون السيالة إلى العيون الراكدة (١).
قوله : (وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) وهي الجبال ثوابت.
قوله : (بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) : يجوز فيه ما جاز في «خلالها» (٢) ، والحاجز : الفاصل ، حجز بينهم يحجز أي : منع وفصل ، والمراد بالبحرين : العذب والملح. (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) قرىء «أإله» بتحقيق الهمزتين وتخفيف الثانية ، وإدخال ألف بينهما تخفيفا وتسهيلا (٣) ، وهذا كله معروف من أوّل هذا الكتاب ، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) توحيد ربهم.
قوله : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ) المضطر : اسم مفعول مأخوذ من اضطر ، ولا يستعمل إلا مبنيا للمفعول ، وإنّما كرر الجعل هنا ، ولم يشرك (٤) بين المعمولات (٥) في عامل واحد ، لأن كل واحدة من هذه منّة مستقلة ، فأبرزها في جملة مستقلة بنفسها ، قال الزمخشري الضرورة الحال المحوجة إلى الالتجاء ، والاضطرار : افتعال منها ، فيقال : اضطرّ إلى كذا والفاعل والمفعول مضطر (٦). فإن قيل: هذا يعم المضطرين ، وكم من مضطر يدعو فلا يجاب ، فالجواب :
أنه ثبت في أصول الفقه أن المفرد المعرّف لا يفيد العموم ، وإنما يفيد الماهية فقط ، والحكم المثبت للماهية يكفي في صدقه ثبوته في فرد واحد من أفراد الماهية فقط ، فإنه تعالى وعد بالاستجابة ، ولم يذكر أنه يستجيب في الحال (٧).
قوله : (وَيَكْشِفُ السُّوءَ) كالتفسير للاستجابة ، فإنّه لا يقدر أحد على كشف ما دفع إليه من فقر إلى غنى ومرض إلى صحة ، إلّا القادر الذي لا يعجز ، والقاهر الذي لا ينازع (٨) ، (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) أي : يورثكم سكناها (٩) والتصرف فيها قرنا بعد قرن ، وأراد بالخلافة الملك والتسليط(١٠). قوله : (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) قرأ أبو عمرو
__________________
(١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٧.
(٢) انظر التبيان ٢ / ١٠١٢.
(٣) قال ابن خالويه :(«أإله» بهمزتين بينهما مدة عبد الرحمن الأعرج) المختصر (١١١) وانظر أيضا البحر المحيط ٧ / ٨٩ ، ولم يعز أبو حيان هذين الوجهين إلى من قرأ بهما.
(٤) لم يشرك : سقط من ب.
(٥) في ب : المعمولان.
(٦) الكشاف ٣ / ١٤٩.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٩.
(٩) في ب : من سكانها.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٩.