في كتاب من الكتب ، ووجدناه مبرءا من النقص والتهافت ، فكان هدى ورحمة من هذه الوجوه ، ووجدنا القوى البشرية قاصرة عن جمع كتاب على هذا الوجه ، فعلمنا أنه ليس إلا من عند الله تعالى ، فكان القرآن معجزا من هذه الجهة (١).
وثالثها : (إِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) لبلوغه في الفصاحة إلى حيث عجزوا عن معارضته وذلك معجزة (٢).
قوله : «بحكمه» العامة على ضم الحاء وسكون الكاف ، وجناح بن حبيش بكسرها وفتح الكاف (٣) ، جمع حكمة ، أي : نقضي بين المختلفين (٤) يوم القيامة بحكمة الحق (وَهُوَ الْعَزِيزُ) والمنيع فلا يرد له أمر ، «العليم» بأحوالهم فلا يخفى عليه شيء. فإن قيل : القضاء والحكم شيء واحد ، فقوله : (يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) كقوله يقضي بقضائه ويحكم بحكمه!!
فالجواب : معنى قوله : «بحكمه» أي : بما يحكم به وهو عدله لا يقضي إلا بالعدل ، أو أراد بحكمه على القراءة بكسر الحاء (٥).
قوله : (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) أي البيّن ، (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) يعني الكفار ، وإنّما حسن جعله سببا للأمر بالتوكل ، لأن الإنسان ما دام يطمع في أخذ شيء فإنه لا يقوى قلبه على إظهار مخالفته ، فإذا قطع طمعه عنه (٦) قوي قلبه على إظهار مخالفته ، فالله تعالى قطع طمع محمد ـ عليهالسلام (٧) ـ بأن بيّن أنهم كالموتى وكالصم (٨) والعمي فلا يسمعون ولا يفهمون ولا يبصرون ولا يلتفتون إلى شيء من الدلائل ، وهذا سبب لقوة قلبه ـ عليهالسلام (٩) ـ على إظهار الدين كما ينبغي (١٠).
قوله : (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) قرأ ابن كثير : «لا يسمع» بالياء مفتوحة ، وفتح الميم «الصّمّ» رفع وكذلك في سورة الروم (١١) ، وقرأ الباقون بالتاء وضمها وكسر الميم «الصّمّ» نصب (١٢)(إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) : معرضين. فإن قيل : ما معنى قوله : (وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) وإذا كانوا صمّا لا يسمعون (١٣) سواء ولوا أو لم يولوا؟ قيل ذكره تأكيدا ومبالغة ، وقيل : الأصم إذا كان حاضرا قد يسمع برفع الصوت ويفهم بالإشارة ، فإذا ولّى مدبرا لم يسمع ولم يفهم (١٤). قال قتادة : الأصم إذا ولّى مدبرا ثم ناديته لم يسمع ، كذلك الكافر لا
__________________
(١) في الأصل : الجملة.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢١٦.
(٣) المختصر (١١١) ، البحر المحيط ٧ / ٩٦.
(٤) في ب : المختلفين في الدين.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢١٦.
(٦) في ب : عند.
(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٨) في ب : كالصم.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢١٦.
(١١) يشير إلى قوله تعالى : «فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ» [الروم : ٥٢].
(١٢) السبعة (٤٨٦ ، ٥٠٨) ، الكشف ٢ / ١٦٥ ، النشر ٢ / ٣٣٩ ، الإتحاف (٣٣٩).
(١٣) في ب : لا ينتفعون.
(١٤) انظر البغوي ٦ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥.