ورابعها : أنهم لما تواضعوا (١) (له) (٢) وقدموه على أنفسهم فقدمهم على نفسه رجاء أن يصير تواضعه سببا لقبول الحق ، ولقد حصل ببركة ذلك التواضع ذلك المطلوب (٣).
قوله : (فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ). روي عن ابن عباس قال : كانت مطلية بالزئبق ، والعصي مجوفة مملوءة من الزئبق ، فلما حميت اشتدت حركتها ، فصارت كأنها حيات تدب من كل جانب من الأرض (٤).
قوله : (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ). يجوز أن يكون قسما (٥) ، وجوابه : (إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) ويجوز أن يتعلق ب (الْغالِبُونَ) لأن ما في حيز «إن» لا يتقدم عليها.
قوله : (فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) تقدم خلاف القراء في (تَلْقَفُ)(٦) وقال ابن عطية هنا : وقرأ البزّيّ وابن فليح (٧) بشدّ التّاء وفتح اللام وشدّ (٨) القاف(٩) ويلزم على هذه القراءة إذا ابتدأ أن يجلب (١٠) همزة الوصل ، وهمزة الوصل لا تدخل على الأفعال المضارعة ، كما لا تدخل على أسماء الفاعلين (١١). قال أبو حيان : كأنه يخيّل إليه أنه لا يمكن الابتداء بالكلمة إلا باجتلاب همزة الوصل ، [وهذا ليس بلازم (و) (١٢) كثيرا ما (١٣) يكون الوصل](١٤) مخالفا للوقف ، والوقف مخالفا للوصل ، ومن له تمرّن في القراءات عرف ذلك (١٥). قال شهاب الدين : يريد قوله : (فإذا هي تلقّف) فإن البزّيّ يشدد التاء (١٦) ، إذ الأصل : «تتلقّف» بتاءين ، فأدغم ، فإذا وقف على «هي» وابتدأ «تتلقّف» فحقه أن يفكّ ولا يدغم لئلا (١٧) يبتدأ بساكن وهو غير ممكن ، وقول ابن عطية : «ويلزم على هذه القراءة ... إلى آخره» تضعيف للقراءة لما ذكره هو من أن همزة الوصل لا تدخل على الفعل المضارع ، ولا يمكن الابتداء بساكن ، فمن ثمّ ضعّفت.
__________________
(١) في الأصل : تواضعوه.
(٢) له : تكمله من الفخر الرازي.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٣ ـ ١٣٤.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٤.
(٥) انظر الكشاف ٣ / ١١٤ ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٠٧ ، التبيان ٢ / ٩٩٥.
(٦) عند قوله تعالى : «وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ»[الأعراف : ١١٧].
(٧) هو عبد الوهاب بن فليح بن رباح ، أبو إسحاق المكي ، إمام أهل مكة في القراءة في زمانه ، أخذ القراءة عن داود بن شبل ، والحسن ، وغيرهما وروى عنه الحسين بن محمد الحداد ، وغيره ، مات سنة ٢٥٠ ه تقريبا. طبقات القراء ١ / ٤٨٠ ـ ٤٨١.
(٨) في ب : وتشديد.
(٩) رويت في القراءات السبعة المتواترة عن ابن كثير. السبعة (٤٧١) الإتحاف (٣٣١).
(١٠) في النسختين : يحذف. والتصويب من تفسير ابن عطية. وفي البحر المحيط كما في النسختين ، فيبدو أن ابن عادل تابع أبا حيان في النقل عن ابن عطية.
(١١) تفسير ابن عطية ١١ / ١٠٨.
(١٢) و : تكملة ليست في المخطوط.
(١٣) في الأصل : بل ما.
(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٥) البحر المحيط ٧ / ١٦.
(١٦) التاء : سقط من ب.
(١٧) في ب : ولا.