على ميلكم إليه فتطرّق التهمة إليهم فلعلهم قصروا في السحر حياله.
وثانيها : قوله : (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) وهذا تصريح بما رمز به (١) أولا ، وتعريض منه بأنهم فعلوا ذلك عن مواطأة بينهم وبين موسى ، وقصروا في السحر ليظهروا أمر موسى ، وإلا ففي قوة السحرة (٢) أن يفعلوا مثل ما فعل ، وهذه شبهة قوية في تنفير من قبل.
وثالثها : قوله : (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وهو وعيد وتهديد شديد.
ورابعها : قوله : (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) وهذا الوعيد المفصل ، وليس في الإهلاك أقوى منه ، ثم إنهم أجابوا عن هذه الكلمات من وجهين :
الأول : قوله : (لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ)(٣) والضير والمضرّة واحد ، وليس المراد أن ذلك وقع ، وإنما عنوا بالإضافة إلى ما عرفوه من دار الجزاء.
والجواب الثاني : قوله : (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا) وهو إشارة منهم إلى الكفر والسحر وغيرهما. والطمع في هذا الموضع يحتمل اليقين ، كقول إبراهيم ـ عليهالسلام (٤) ـ : (وَالَّذِي أَطْمَعُ)(٥). ويحتمل الظن ، لأن المرء لا يعلم ما سيختاره من بعد (٦). قوله : (أَنْ كُنَّا). قرأ العامة بفتح «أن» أي : لأن كنّا بينوا القول بالإيمان وقرأ أبان بن تغلب وأبو معاذ(٧) بكسر الهمزة (٨) ، وفيه وجهان :
أحدهما : أنها شرطية ، والجواب محذوف لفهم المعنى (٩) ، أو متقدم عند من يجيزه (١٠).
نظيره قول القائل (١١) : «إن كنت عملت فوفّني حقّي» مقولة لمن يؤخر جعله (١٢).
والثاني : أنها المخففة من الثقيلة ، واستغني عن اللام الفارقة (١٣) لإرشاد المعنى إلى الثبوت دون النص (١٤) كقوله :
__________________
(١) في الأصل : زمزم. وهو تحريف.
(٢) في النسختين : السحر. والتصويب من الفخر الرازي.
(٣) في الأصل : لمنقلبون. وهو تحريف.
(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٥) من قوله تعالى : «وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» الآية ٨٢ من السورة نفسها.
(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٥ ـ ١٣٦.
(٧) هو الفضل بن خالد أبو معاذ النحوي المروزي ، روى القراءة عن خارجة بن مصعب ، وروى عنه الليث بن مقاتل ، وغيره مات سنة ٢١١ ه. طبقات القراء ٢ / ٩.
(٨) المختصر (١٠٦) ، دون عزو إلى قارىء ، المحتسب ٢ / ١٢٧ ، منسوبة إلى أبان بن تغلب ، البحر المحيط ٧ / ١٦.
(٩) هذا التخريج على مذهب البصريين. انظر المحتسب ٢ / ١٢٨ ـ ١٢٩ ، البحر المحيط ٧ / ١٦ ، الهمع ٢ / ٦١.
(١٠) هذا التخريج على مذهب الكوفيين والأخفش وأبي زيد والمبرد الذين يجيزون تقديم جواب الشرط عليه. انظر البحر المحيط ٧ / ١٦ ، الهمع ٢ / ٦١.
(١١) في ب : العامل.
(١٢) الكشاف : ٣ / ١١٥.
(١٣) في ب : العارفة. وهو تحريف.
(١٤) وهو قول أبي حيان. البحر المحيط ٧ / ١٦.