هي فاء «فضرب» فأبقى (١) من كل فعل ما يدلّ على المحذوف ، أبقى الفاء من «فضرب» ليدلّ على «ضرب» وأبقى «انفلق» ليدل على الفاء المتصلة به (٢).
قوله : (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ) اختلف القراء في ترقيق راء (٣) «فرق» فروي عن ورش الترقيق لأجل القاف (٤). وقرىء : «فلق» بلام بدل الراء ، لموافقة «فانفلق» (٥) والطود : الجبل العظيم المتطاول في السماء (٦).
فصل
قال ابن جريج : لما انتهى موسى إلى البحر هاجت الريح والبحر يرمي بموج كالجبال قال يوشع : يا مكلم الله ، أين أمرت؟ فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا ، فقال موسى : ها هنا. فخاض يوشع الماء وجاز البحر ما يواري حافر دابته الماء ، وقال (٧) الذي يكتم إيمانه : يا مكلم الله ، أين أمرت؟ قال : هاهنا. فكبح (٨) فرسه بلجامه حتى طار الزبد من شدقيه ، ثم أقحمه البحر فارتسب في الماء ، وصنع القوم مثل ذلك ، فلم يقدروا ، فجعل موسى لا يدري كيف يصنع ، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه فانفلق ، فإذا الرجل واقف على فرسه لا يبتلّ سرجه ولا لبده (٩) ، وهذا معجز عظيم من وجوه :
أحدها : أن تفرق ذلك الماء معجز (١٠).
وثانيها : ثبت في الخبر أنه تعالى أرسل على فرعون وقومه من الرياح والظلمة ما حيرهم ، فاحتسبوا القدر الذي يتكامل معه عدد بني إسرائيل ، وهذا معجز ثالث.
ورابعها : أن جعل الله في تلك الجدران المائية كوى (١١) ينظر بعضهم إلى بعض ، وهذا معجز رابع.
__________________
(١) في ب : وأبقى.
(٢) قال ابن عصفور : (وكذلك أيضا يجوز حذف حرف العطف والمعطوف عليه لفهم المعنى ، فمن ذلك قوله تعالى : «فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ وقوله تعالى : وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ البحر فَانْبَجَسَتْ» الأعراف : ١٦٠] وقوله تعالى :«فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» [البقرة : ١٨٤] التقدير : فضرب فانفلق ، فضرب فانبجست ، و «فأفطر فعدة» فحذف ضرب وأفطر وفاء العطف مما بعدها من أيام أخر). شرح جمل الزجاجي ١ / ٢٥١ ، وانظر المقرب ٢٥٨ ـ ٢٥٩.
(٣) في ب : وا. وهو تحريف.
(٤) الإتحاف ٣٣٢.
(٥) حكاه يعقوب عن بعضهم. المختصر ١٠٧ ، البحر المحيط ٧ / ٢٠.
(٦) انظر الكشاف ٣ / ١١٦.
(٧) في ب : قال.
(٨) الكبح : كبحك الدابة باللجام ، كبح الدابة يكبحها كبحا وأكبحها : جذبها إليه باللجام ، وضرب فاها به كي تقف ولا تجري. اللسان (كبح).
(٩) انظر البغوي ٦ / ٢١٨ ـ ٢١٩.
(١٠) في الأصل : معجزة.
(١١) كوى : جمع كوّة ، وهي الخرق في الحائط ، والثقب في البيت ونحوه. اللسان (كوى).