«فنظل» افتخارا بذلك ، وإلا فكان قولهم : (نَعْبُدُ أَصْناماً) كافيا (١) كقوله تعالى : (قُلِ الْعَفْوَ)(٢) ، (قالُوا خَيْراً)(٣).
قوله : (فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ). العكوف : الإقامة على الشيء. قال بعض العلماء : إنما قالوا: (فنظل) لأنهم يعبدونها بالنهار دون الليل ، يقال : ظل يفعل كذا : إذا فعل بالنهار (٤). فقال إبراهيم ـ عليهالسلام (٥) ـ منبها على فساد مذهبهم : (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) لا بد من محذوف ، أي : يسمعون دعاءكم (٦) ، أو يسمعونكم تدعون (٧) ، فعلى الأول هي متعدية لواحد اتفاقا. وعلى الثاني هي متعدية لا ثنين قامت الجملة المقدرة مقام الثاني ، وهو قول الفارسي (٨).
وعند غيره : الجملة المقدرة حال (٩). وتقدم تحقيق القولين.
وقرأ قتادة ويحيى بن يعمر بضم الياء وكسر الميم (١٠) ، والمفعول الثاني محذوف ، أي : يسمعونكم الجواب (١١).
قوله : (إِذْ تَدْعُونَ) منصوب بما قبله ، فما قبله وما بعده ماضيان معنى وإن كانا مستقبلين لفظا لعمل الأول (١٢) في «إذ» ولعمل «إذ» في الثاني (١٣).
وقال بعضهم : «إذ» هنا بمعنى : «إذا» (١٤) وقال الزمخشري : إنه على حكاية الحال الماضية ، ومعناه : استحضروا الأحوال التي كنتم تدعونها فيها ، هل سمعوكم إذا سمعوا (١٥)؟ وهو أبلغ في التبكيت(١٦) ، وقد تقدم أنه قرى بإدغام ذال «إذ» وإظهارها في التاء (١٧). وقال
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ١٧٧ ، البحر المحيط ٧ / ٢٢ ـ ٢٣.
(٢) من قوله تعالى : «وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ» [البقرة : ٢١٩].
(٣) من قوله تعالى : «وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً»[النحل : ٣٠].
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٤٢.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) انظر معاني القرآن للأخفش ٢ / ٦٤٦ ، الكشاف ٣ / ١١٧ ، البيان ٢ / ٢١٤ ، التبيان ٢ / ٩٩٦.
(٧) انظر البيان ٢ / ٢١٤ ، البحر المحيط ٧ / ٢٣.
(٨) قال أبو علي : (وأفعال الحواس الخمس كلها متعدية نحو رأيته وشممته وذقته ولمسته وسمعته ، إلا أن سمعت يتعدى إلى مفعولين ، ولا بد من أن يكون الثاني مما يسمع كقولك : سمعت زيدا يقول ذلك ، ولو قلت : سمعت زيدا يضرب أخاك ، لم يجز ، فإن اقتصرت على مفعول واحد وجب أن يكون مما يسمع) انظر المقتصد شرح الإيضاح ١ / ٥٩٧.
(٩) انظر البحر المحيط ٧ / ٢٣.
(١٠) المختصر (١٠٧) ، المحتسب ٢ / ١٢٩.
(١١) انظر المحتسب ٢ / ١٢٩ ، الكشاف ٣ / ١١٧ ، التبيان ٢ / ٩٩٧ ، البحر المحيط ٧ / ٢٣.
(١٢) وهو (يسمع) من «يسمعونكم».
(١٣) المقصود به جملة «تدعون» فهي في محل جر بإضافة (إذ) إليها.
(١٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٢٣.
(١٥) في الكشاف : هل سمعوا أو أسمعوا قط.
(١٦) الكشاف ٣ / ١١٧.
(١٧) عند قوله تعالى :«وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ» [الأعراف : ١٦٧]. انظر اللباب ٤ / ١١٥ ـ ١١٦.