[المنافقون : ٤] وإنما فعل به ذلك تشبيها بالمصادر نحو : «الولوع ، والقبول» (١) وقد يقال : أعداء ، وعدوة (٢) ، وقوله : (عَدُوٌّ لِي) على أصله من غير تقدير مضاف ولا قلب ، لأن العدو والصديق يجيئان في معنى الوحدة والكثرة (٣) ، قال الشاعر :
٣٩١٠ ـ وقوم على ذوي مئرة |
|
أراهم عدوا وكانوا صديقا (٤) |
وتقدم الكلام في نظيره عند قوله (٥) : (إِنَّا رَسُولُ)(٦).
وقيل : المعنى : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) لو عبدتهم يوم القيامة ، كقوله : (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم : ٨٢]. (وقيل : الأصنام لا تعادى لأنها جماد ، والتقدير : فإن عبادهم عدو لي (٧)) (٨). وقيل : بل (٩) في الكلام قلب تقديره : فإنهم عدو لهم (١٠) وهذان مرجوحان لا ستقامة الكلام بدونهما. فإن قيل : لم قال : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) ولم يقل فإنها عدو لكم؟ فالجواب : أنه ـ عليهالسلام (١١) ـ صور المسألة في نفسه ، بمعنى أني فكرت في أمري فرأيت عبادتي لها عبادة للعدو فاجتنبتها ، وأراهم أنها نصيحة نصح بها نفسه ، فإذا تفكروا وقالوا : ما نصحنا إبراهيم إلا بما نصح به نفسه فيكون أدعى إلى القبول (١٢).
قوله : (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) فيه وجهان :
أحدهما : أنه منقطع ، أي : لكن رب العالمين ليس بعدو لي (١٣). وقال الجرجاني : فيه تقديم وتأخير ، أي : أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون إلا رب
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ١١٧.
(٢) عدوا من الصفات التي يستوي فيها المذكر والمؤنث فعول بمعنى فاعل ، فلا تلحقها التاء للفصل بين المذكر والمؤنث غالبا لعدم الحاجة إليه ، كرجل صبور ، بمعنى : صابر ، وامرأة صبور ، بمعنى : صابرة وشذ امرأة عدوة ، لخروجه عن القاعدة ، ومع ذلك فإنه محمول على صديقة ، كما في عكسه ، وهو حمل صديق على عدوه في قوله لم أبخل وأنت صديق. والقياس صديقة ، وهم يحملون الضد على ضده ، كما يحملون النظير على نظيره. انظر شرح التصريح ٢ / ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، الهمع ٢ / ١٧٠.
(٣) كالمصدر. انظر الكشاف ٣ / ١١٧.
(٤) البيت من بحر المتقارب ، لم أهتد إلى قائله ، وهو في الكشاف ٣ / ١١٧ ، والفخر الرازي ٢٤ / ١٣٤ ، شرح شواهد الكشاف (٨٥) المئرة : العداوة. وروي (مرة) وهي القوة وشدة الجدال.
(٥) في ب : قوله تعالى.
(٦) من قوله تعالى : «إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ» [الشعراء : ١٦].
(٧) حكاه أبو حيان. البحر المحيط ٧ / ٢٤.
(٨) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٩) ما بين القوسين في ب : وإن قيل : فلم لم يقل إن من يعبد الأصنام عدو لي فيكون. وهو تحريف.
(١٠) وهو قول الفراء. انظر معاني القرآن ٣ / ٣٨١.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٤٣.
(١٣) قال الفراء : (أي كل آلهة لكم فلا أعبدها إلا رب العالمين فإني أعبده) معاني القرآن ٢ / ٢٨١ ، وصرح به الزمخشري ، فإنه قال :(«إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ» استثناء منقطع كأنه قال ولكن رب العالمين) الكشاف ٣ / ١١٧ ، وانظر التبيان ٢ / ٩٩٦.