يؤذي آلة السمع ، وآلة السمع على باب القلب فإن الكلام ينتقل من السمع إلى القلب ولا كذلك اللمس وأيضا فلأن قبيح القول أقبح من قبيح الفعل وحسنه أحسن لأن اللسان ترجمان القلب (١).
قوله : (إِنَّ أَنْكَرَ) قيل : أنكر مبنيّ من مبنيّ للمفعول نحو : «أشغل من ذات النّحيين» (٢) ، وهو مختلف فيه (٣) ووحد «صوت» لأنه يراد به الجنس ولإضافته لجمع ، وقيل : يحتمل أن يكون «أنكر» من باب «أطوع له من بنانه» ومعناه أشدّ طاعة (٤). فإن «أفعل» لا يجيء (في (٥)) «مفعل» (٦) ولا في «مفعول» (٧) ولا في باب العيوب (٨) إلا ما شذّ كقولهم (٩) : «أطوع من كذا» (١٠) للتفضيل على المطيع و «أشغل من ذات النّحيين» (١١) و «أحمق (١٢) (من فلان (١٣)») من باب العيوب (١٤) ، وعلى هذا فهو من باب «أفعل» (١٥) كأشغل في باب مفعول (١٦) فيكون للتفضيل على المنكر. أو نقول هو من باب «أشغل» مأخوذ من نكر الشيء فهو منكور ، وهذا أنكر منه ، وعلى هذا فله معنى لطيف وهو أن كل حيوان قد يفهم من صوته (١٧) بأنه يصيح من ثقل أو تعب كالبعير أو لغير ذلك والحمار لو مات تحت الحمل لا يصيح ولو قتل لا يصيح وفي بعض أوقات عدم الحاجة يصيح وينهق بصوت منكر (فيمكن (١٨)) أن يقال : هو من نكير كأحدّ من حديد (١٩).
فإن قيل : كيف يفهم كونه أنكر الأصوات مع أن حزّ المنشار بالمبرد ودق النحاس بالحديد أشد صوتا؟!.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٥١.
(٢) ذكره في جمهرة الأمثال كما ذكره الميداني في مجمع الأمثال ٢ / ١٨٤ والنّحيان مثنى (نحي) وهو وعاء من جلد كان يوضع فيه السّمن وذكر المؤلف هذا المثال على أن الفعل مأخوذ من مبني للمفعول «مشغول» وشغل وكذلك الآية (أنكر) من منكر «وأنكر».
(٣) انظر : الأشموني ٢ / ٤٤.
(٤) فيكون على باب التفضيل والمشاركة.
(٥) سقطت من «ب».
(٦) يقصد أن التفضيل يبنى من الفعل الثلاثي وأنكر فعل رباعي واسم فاعله «منكر» واسم مفعوله «منكر».
(٧) يشير إلى أن الفعل الثلاثي هذا الذي يصاغ منه أفعل التفضيل لا بد أن يكون مبنيا للمعلوم لا للمجهول.
(٨) يشير إلى أنّ هذا الفعل يخلو من أي عيب وأحمق فيه العيب.
(٩) في «ب» لقولهم.
(١٠) فكان على القاعدة أن نقول أشد طاعة حيث إنّ «أطاع» رباعي كأنكر.
(١١) وأشغل هنا من فعل مبني للمجهول «شغلت فهي مشغولة».
(١٢) وأحمق مبني من (حمق) وهو فعل عيب.
(١٣) سقطت من «ب».
(١٤) في «ب» الصوت وهو تحريف.
(١٥) أي أفعل فعلاء كأحمق حمقاء وأحمر حمراء أو باب أفعل الزائد على ثلاثة أحرف.
(١٦) أي البناء المجهول لا المعلوم.
(١٧) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٥١.
(١٨) سقطت من «ب».
(١٩) في تفسير الفخر الرازي : كأجدر من جدير.