أرضاه لنفسي وكانت بيضاء جميلة فيها حدة وكذلك كره أخوها ذلك فأنزل الله (١) عزوجل : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) يعني عبد الله بن جحش وأخته زينب (إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) (أي أراد الله ورسوله (٢) أمرا) وهو نكاح زيد لزينب (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). والخيرة الاختيار أي يريد غير ما أراد الله ويمتنع مما أمر الله ورسوله.
قوله : (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (أَنْ يَكُونَ) هو اسم كان ، والخبر الجار متقدم (٣) وقوله: (إِذا قَضَى اللهُ) يجوز أن يكون محض ظرف معموله الاستقرار الذي تعلق به الخبر ، أي وما كان مستقرا لمؤمن ولا مؤمنة وقت قضاء الله كون خيرة وأن تكون شرطية ويكون جوابها مقدرا مدلولا عليه بالنفي (٤) المتقدم. وقرأ الكوفيون وهشام «يكون» ـ بالياء من أسفل ؛ لأن «الخيرة» مجازيّ التأنيث ، وللفصل أيضا ، والباقون بالتاء من فوق مراعاة للفظها (٥) ، وقد تقدم أن «الخيرة» مصدر «تخيّر» «كالطّيرة» من «تطيّر» (٦) ، ونقل عيسى بن سليمان (٧) أنه قرىء الخيرة ـ بسكون الياء (٨) ـ و (مِنْ أَمْرِهِمْ) حال من الخيرة ، وقيل : «من» بمعنى «في» وجمع الضمير في «أمرهم» وما بعده لأن المراد بالمؤمن والمؤمنة الجنس. وغلب المذكر على المؤنث (٩) ، وقال الزمخشري : «كان من حق الضمير أن يوحّد كما تقول : ما جاءني من رجل ولا امرأة إلّا كان من شأنه كذا» (١٠) قال أبو حيان : «وليس بصحيح ؛ لأن العطف بالواو ، فلا يجوز ذلك إلا بتأويل الحذف» (١١).
قوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) أخطأ خطأ ظاهرا. فلما سمعا ذلك رضيا بذلك وسلما وجعلت أمرها بيد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكذلك أخوها فأنكحها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ زيدا فدخل بها. وساق رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إليها عشرة دنانير وستّين درهما وخمارا ودرعا وإزارا وملحفة وخمسين مدّا من الطّعام وثلاثين صاعا من تمر (١٢).
__________________
(١) انظر : المراجع السابقة.
(٢) ما بين القوسين ساقط من «ب».
(٣) قاله السمين في الدر ٤ / ٣٨٨.
(٤) المرجع السابق.
(٥) ذكره في الحجة لابن خالويه ٢٩٠ كما ذكره ابن الجزري في النشر ٢ / ٣٥٠ وانظر الإتحاف ٣٥٥ والسبعة ٥٢٢ وقد نقل القرطبي اختيار أبي عبيد لقراءة الكوفيين قال : «قرأ الكوفيون بالياء وهو اختيار أبي عبيد لأنه قد فرق بين المؤنث وفعله». انظر : الجامع ١٤ / ١٨٧.
(٦) يشير إلى الآية ٦٨ من القصص «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» وقال هناك : إن الخيرة كالطيرة من التطير فيستعملونه استعمال المصدر انظر : اللباب ٦ / ٣٣٢.
(٧) هو عيسى بن سليمان أبو موسى الحجازي المعروف بالشيزري الحنفي مقرىء عالم نحويّ معروف أخذ القراءة عرضا وسماعا عن الكسائي وروى الفقه عن أحد أصحاب أبي حنيفة والحروف عن نافع وجعفر وشيبة انظر : غاية النهاية ١ / ٦٠٩.
(٨) من القراءة الشاذة غير المتواترة مختصر ابن خالويه ١١٩ وهي قراءة ابن السميقع. القرطبي ١٤ / ١٨٧.
(٩) السمين قرره في إعرابه ٤ / ٣٨٨.
(١٠) قاله في الكشاف ٣ / ٢٦٢.
(١١) قاله في البحر المحيط ٧ / ٢٣٤.
(١٢) قاله الإمام البغوي في تفسيره المسمى بمعالم التنزيل ٥ / ٢٦١ وانظر كذلك الخازن ٥ / ٢٦١.